الشعري بالنثر التمثيلي وبالتمثيل نفسه. وأنت في غير حاجة إلى أن أبين لك الفرق بين النثر الذي يذهب في صاحبه مذهب الشعراء والموسيقيين والذي يتجه إلى الناس جميعا ولكنهم يقرءونه متفرقين ويتأثرون به متفرقين، وبين النثر الذي يذهب به صاحبه هذا المذهب ويتجه به إلى طبقات من الناس يجمعهم في مكان واحد، هو الملعب وينتزعهم من الحياة الواقعة معا ويسمو بهم معا إلى عالم الشعر والخيال ويتخذ لهذا سبيلا واحدا هو التمثيل. وأظنك توافقني على أن هذا النوع من الإقدام والابتكار جراءة فنية قيمة. ولكن قد رأينا الآثار التي تتركها قراءة هذه القصة في نفس القراء ولم نحب أن نرى الآثار التي تتركها تمثيل هذه القصة في نفس النظرة. ولكن أين نحن من هذا وأين هذا منا في مصر الآن؟
وأنا أريد أن اعرض عليك منظر من مناظر هذه القصة لم اختره اختياراً وإنما هو كغيره من المناظر التي تستحق كلها أن تترجم وأن تتخذ نموذجا ومثلا لهذه الفن التمثيلي الجديد. وهذا المنظر حوار بين إيزابيل وبين الطائف:
الطائف - أكنت تنتظرينني؟
إيزابيل - لا تعتذر! فلو كنت طائفا مثلك لوقفت عند هذا الشفق وعند هذه الأودية، حيث لم أستطع إلى الآن أن أحمل الا جسما كثيفاً. إذاً لاستوقفتني الغدران والنبات الملتف وكل ما أقف عنده الآن! إذاً لما كنت هنا الآن لو أني أستطيع مثلك أن أطوف بظلي كما لا أستطيع الا أن أمسه أو أراه! إذاً لاتخذت لنفسي جسما من الأشياء كما أهوى عصفوراً على الغصن مرة! أو طفلا مرة أخرى! أو انحرف مرة ثالثة فأتقمص عوداً مزهرا من النسرين. إنما الاحتواء هو القرب الصحيح. . . ولكني ألومك لأنك أقبلت هذا المساء وحدك، وحدك دائما. لم تستطع أن تمس أحداً من ذويك ولا أن تحمله على صحبتك!
الطائف: لم أستطع.
إيزابيل: لقد فكرنا أمس بعد كل هذا الإخفاق أن أقدر الأشياء على أن يهيجهم، ويؤثر فيهم، ويوقظ ما يمكن أن يكون أعصاب الطيف، قد يكون صيحة طويلة، وشكوى متصلة متشابهة، تتردد في طول واتصال. كهذه الصيحة الحقيقية أو التي نحلم بها والتي تصدر عن القطار فتوقظنا أحيانا مع الفجر وتردنا إلى الأحياء. أو كصيحة سفينة أثناء الليل في