وبين أيديهم القرآن، وكل واحد منهم يعرف ما يحق له، فلا يطلب أكثر منه، ويعرف ما يجب عليه فلا يقصر في القيام به، ويحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويسعى ليسلم الناس من لسانه ويده: إذا مرض المسلم عاده المسلمون، وإذا افتقر أعانوه، وإذا أحسن شكروه، وإذا ظُلُم نصروه، وإذا ظَلَم ردعوه، دينهم نصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ففيم يختصمون؟
أما إنهم لا يختصمون إلا على مكرمة وإحسان، ولقد كان عمر يتعاهد عجوزاً عمياء، في بعض حواشي المدينة، فكان يجيئها سحراً، فيجد امرأً قد سبقه إليها فبرها وأحسن اليها، واستسقى لها وأصلح من أمرها، فيعجب منه ويزيد في البكور، فلا يسبقهُ فرصده مرة من أول الليل، حتى جاء فإذا هو. . . . . أبو بكر الصديق، وهو يومئذ خليفة
أو بكر وعمر يستبقان إلى بر عجوز عمياء، في بعض حواشي المدينة. . . الله أكبرّ عقمت أم التاريخ أن تلد مثل هذا التاريخ الذي يأتي بسيد الأمة، في ثوب خادم الأمة، حتى يفتش في الليل عن عجوز عمياء، أو رجل مقعد، أو أسرة محتاجة، أو مظلوم ضعيف، أو ظالم عاتٍ - ليخدم العجوز، ويحمل المقعد، ويساعد المحتاج، وينصر المظلوم، ويأخذ على يد الظالم، لا يبتغي على ذلك جزاء ولا شكوراً، لأنه يعمل لله، ولا يرجو الثوب من غير الله. . .
الله أكبرّ ضل قوم زعموا أن الإسلام إنما أنتشر بالسيف، لا والله! إنما انتشر بمثل هذه الأخلاق السماوية، إنما فتح المسلمون ثلاثة أرباع العالم المتمدن، بهذا الإيمان الذي ملأ قلوبهم، وهذا النور الذي اشرق على نفوسهم، وهذه القوة التي عادت بها عليهم عقيدة التوحيد.
علموا أن الله هو الفعال لما يريد، وانه المتصرف في جميع الأكوان، وأن كل شيء بقضاء منه وقدر، وأنهم إن غُيِّب عنهم القدر، وخفي عليهم علمه، فقد أنزل عليهم القرآن، ووضح لهم سبيله فاتبعوه القرآن، ووقفوا عن أمره ونهيه، فكتبوا في سجل القدر من السعداء
والمؤمن الذي يعلم أن الله هو الفرد الصمد، الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأنه لا يجير عليه من نبي ولا رسول، ولا يشفع عنده ألا بأذنه، وليس بينه وبين العبد واسطة ولا نسب، ويعلم أن الله ينصر من ينصره، وأنه لا يضع أجر من أحسن