فأسألها: (ولكن هل تظنين أني أحب؟)
فتقول: (وكيف أعرف أنا؟)
فأسألها مستغرباً: (ألم يقولوا إن بين القلب والقلب رسولاً، فكيف ضل الرسول يا ترى؟)
فتول: (لم يأن أن تحب يا صاحبي. ولست بفتاتك على ما أرى؟)
فأقول: (ولكنك الفتاة الوحيدة التي وافقتني على ما اقترحت؟)
فقالت: - وأدهشتني - (نعم. وافقت ورضيت، بأن تحبني إذا شئتَ، فبقيت أنت لا تحب، ووقعتُ أنا)
فصحت بها: (ايه؟ ماذا تقولين؟)
قالت - بهدوء -: (لقد سمعت. . . .)
قلت: (أعيديه على مسمعي. . .)
قالت: (كلا. . . هكذا أحلى!)
فكاد الفرح يذهب بلبي، فما عرفت أن أحداً أحبني في هذه الدنيا مذ جئت إليها، ولا ذق في حياتي هذه اللذة، ولم يكن ذنبي أني حرمتها، ولا ذنب النساء أيضاً، وأحسب أن عيونهن تتخطاني - لقصري - فلا يرينني، ولو رأينني لأحبني بلا شك - كما فعلت هذه الفتاة الكريمة، بعد أن جلست!
وعدت إلى بيتي، وخلوت بنفسي في المكتبة، وقلت لها وأنا أكاد أرقص (والآن يا نفسي، يمكنك أن تطقي من الغيظ وتنفلقي من الكمد) وأحسست بالشعر يجيش في صدري، وشعرت كأنه ليس علي إلا أن أدهور لساني في شدقي، أو أن أرفع سن القلم على الورقة، فإذا به يجري وحده بالكلام المونق المعجب
وجئت بورقة، وبريت القلم، ووضعت تلك على رجلي، وهذا ما بين أصابعي، وتوكلت على الله، وأقمت القلم على الورقة، وإذا بنقر على الباب، فكدت أجن، ونهضت ففتحته بكرهي فدخل صاحب لي فلما رأي تجهم وجهي قال:
(هل أنت مشغول؟)
قلت: (تسأل البحر هل فيه ماء؟)
قال: (معذرة. على كل حال لن آخذ من وقتك إلا دقائق، إنك تعرف. . .)