أعمق من أثر كاثوليكية والدته. وربى جيد تربية دينية خالصة، فكانت هذه التربية وتناقضها مع طبيعة جيد أولا ومع الظروف التي صادفت شبابه ثانياً سبباً قاسياً في أن تجعل من حياته مأساة إنسانية كبرى، وأن تجعل شخصيته فريسة لحرب شعراء بين جيد المتدين بولادته وأسرته وتربيته، وجيد المتحرر تحرراً كلياً من سيطرة الدين بعقله وإرادته
عندما بلغ جيد سن الشباب استيقظت نفسه على أشعار الجيل الأول من المدرسة الرمزية في الشعر الفرنسي تحت زعامة فرلين ورامبو وملارمي. وكان عهد ازدهار هذا الجيل قد آذن بالمغيب وخلفه الجيل الثاني الذي من أعضائه فرنسيس جيمز وبول كالوريل، وبول فور. فانضم إليهم أندريه جيد إذ وجد في الشعر الرمزي الحالم السابح في أجواء الخيال، المتحرر حتى من القيود الشعرية نفسها، سبيلاً إلى الانطلاق من عالمه الديني الضيق المخنوق. ولم يكن تأثر جيد بالشعراء الرمزيين قاصراً على فنهم فحسب، بل وجد في حياة الكثير منهم مثل فرلين ورامبو مثلاً أعلى لحياة الفنان الحر الطليق الذي يريد أن يصل إلى فهم الحياة الحق مهما كلفه ذلك من الثورة على كل تقليد، والخروج على كل عرف أخلاقي؛ على أن رمزيه أندريه جيد لم تبلغ في تحكم العاطفة بها ما بلغته رمزية الجيل الأول. فهو أقل حدة في العاطفة وجموحاً في الخيال. وهو أمر سخرية وأعمق تفكيراً واشد رغبة في إدراك حقيقة نفسه، وأعظم انطلاقا وتعلقاً بالحياة المرحة. وفي أول كتبه ' (دفاتر أندريه ولتر)(١٨٩١) تراه يعبر عن ذلك بقوله (يجب النظر إلى الحياة بعين شاملة وطبيعة طلقة مع الاحتفاظ بالنفس المتيقظة)
وفي ذلك الوقت أيضاً - وقت شباب جيد - غزت فرنسا أفكارُ الفيلسوف الألماني (نيتشه)، والكاتب الأيرلندي (أوسكار وايلد) فتأثر بهما اندريه جيد تأثراً عظيماً. أخذ عن الأول فكرته عن (السبرمان)، وعن الثاني فكرته عن سيادة الفن وحق الفنان في أن يحيا على هامش العادات الأخلاقية المرعية، والاثنان - جيد ووايلد - يتفقان في إيمانهما بفكرة الجمال عند الأثينيين القدماء
ذلك تأثر جيد بفكرة الكاتب الفرنسي موريس باريس عن (عبادة النفس) وأخذ عنه سخريته العالية
وأخيراً يجيء دور الكاتب الروسي دستوفسكي فكما أن نيتشه وأوسكار وايلد كانا أعظم من