عن. . . . عن عروة أنه قال في قوله الله عز وجل:(لَهُم البُشرى في الحياة والدنيا وفي الآخرة) قال: هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له
(قال أبو محمد) وليس فيما يتعاطى الناس من فنون العلم، ويتمارسون من صنوف الحكم، شيء هو اغمض والطف، واجل واشرف، وأصعب مراداً وأشكالاً، من الرؤيا، لأنها جنس من الوحي، وضرب من النبوة الخ. . . ولأن كل علم يطلب فأصوله لا تختلف، ومقاييسه لا تتغير، والطريق إليه قاصد، والسبب الدال عليه واحد، خلا التأويل: فان الرؤيا تتغير عن أصولها باختلاف أحوال الناس في هيئاتهم، وصناعاتهم وأقدارهم، وأديانهم، وهممهم، وإراداتهم. وباختلاف الأوقات والأزمان فهي مرة مثل مضروب يُعبر بالمثل والنظير، ومرة تنصرف عن الرائي لها إلى الشقيق أو النظير أو الرئيس، ومرة تكون أضغاثاً
ولأن كل عالم بفن من العلوم، يستغني بآلة ذلك العلم لعلمه، خلا عابر الرؤيا: فانه يحتاج إلى أن يكون عالماً بكتاب الله عز وجل وبحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ليتعبرهما في التأويل.
وبأمثال العرب، والأبيات النادرة، واشتقاق اللغة، والألفاظ المبتذلة عند العوام، وأن يكون مع ذلك أديباً لطيفاً ذكياً، عارفاُ بهيئات الناس وشمائلهم وأقدارهم وأحوالهم، عالماً بالقياس حافظاً، ولن تغنى عنه معرفة الأصول، إلا أن يمده الله بتوفيق، يسدد حكمه للحق، ولسانه للثواب، وأن يحضره الله تعالى تسديده، حتى يكون طيب الطعمة، نقياً من الفواحش، طاهراً من الذنوب، فإذا كان كذلك، أفرغ الله عليه من التوفيق ذَنوباً، فجعل له من مواريث الأنبياء نصيباً
وسأخبرك عن كيفية الرؤيا، بالاستدلال على ذلك من كتاب الله والحديث، إذ كنت لم أجد فيه مقالاً كافياً لإمامٍ متبع، وأقدم قبل ذلك ذكر النفس والروح، إذ كنت لا تصل إلى علم كيفيتها إلا بمعرفتهما، وفرق ما بينهما. وعلى الله أتوكل فيما أحاول واستعين
(الى أن قال) وفد اختلف الناس في النفس والروح، فقال بعضهم، هما شيء واحد يسمى باسمين، كما يقال، إنسان ورجل، وهما الدم أو متصلان بالدم، يبطلان بذهابه، والدليل على ذلك، أن الميت لا يٌفقد من جسمه إلا دمه، واحتجوا لذلك أيضاً من اللغة: بقول العربي: نُفِست المرأة (إذا حاضت) ونَفِست (من النفاس) وبقولهم للمرأة، عند ولادتها: نٌفَساء،