الحقيقة شيء، أما التبادل الحق فيقضي أن تمحي هذه الأشياء محواً، وما ظهورها إلا العدل والشجاعة والحكمة نفسها. وإني لأتصور أن أولئك الذين أنشأوا الاسرار، لم يكونوا مجرد عابثين، بل قصدوا إلى الجد حينما عمدوا إلى شكل فرمزوا به إلى أن من يمضي إلى العالم الأسفل دنساً جاهلاً سيعيش في حمأة من الوحل، أما ذلك الذي يصل إلى العالم الآخر بعد التعليم والتطهير فسيقيم مع الآلهة. وكما يقولون في الأسرار:(كثيرون هم من يحملون عصا السحر، أما العالمون بالسحر فقليل) وهم يريدون بهذه العبارة فيما أرى، الفلاسفة الحق، الذين أنفقتُ حياتي كلها أبحث بينهم لعلي أجد مكاناً، ولست أشك في أني عندما أبلغ العالم الآخر، بعد حين قصير، سيأتيني إن شاء الله علم يقين، عما إذا كنت قد التمست في البحث سبيلاً قويمة أم لا، وإن كنت قد أصبت التوفيق أم لم أصبه. أي سمياس وسيبس، لقد أجبت بهذا على أولئك الذين يؤاخذونني بعدم الحزن أو الجوع لفراقكم وفراق سادتي في هذا العالم، فقد أصبت بعدم الخوف لأنني اعتقد أنني سأجد في العالم الأسفل أصدقاء وسادة آخرين، يعدلونكم خيراً، ولكن الناس جميعاُ لا يسيغون هذا، وإنه ليسرني أن تصادف كلماتي عندكم قبولاً أكثر مما صادفت عند قضاة الأثينيين
- أجاب سيبيس - إني موافقك يا سقراط على معظم ما تقول، ولكن الناس أميل الى عدم التصديق فيما يتصل بالروح. إنهم، يخشون ألا يكون لها مستقرٌ إذا ما فصلت عن الجسد، وإنها قد تذوى وتزول في يوم الموت ذاته - فلا تكاد تتحلل من الجسد حتى تنطلق كالدخان أو الهواء، ثم تتلاشى في العدم. فلو قد تستطيع أن تتماسك أجزاؤها، وأن تظل كما هي بعد أن تكون قد خلصت من شرور الجسد، لرجونا يا سقراط، محقين فيما نرجو، أن ما تقوله حق، ولكنا بحاجة الى كثير من الإقناع ووفير من الحجج، لإثبات انه إذا مات الإنسان فروحه تظل مع ذلك موجودة، وتكون على شيء من قوة الذكاء
- فقال سقراط - هذا حق يا سيبيس، فهل لي أن أقترح حديثاً قصيراً عما يحتمل لهذه الأشياء من وجوه؟
- قال سيبيس - لست أشك في أني شديد الرغبة في معرفة رأيك عنها
- فقال سقراط - لا أحسب أن لأحد ممن سمعني الآن، حتى ولو كان أحد أعدائي القدماء من الشعراء الهازلين، أن يتهمني بالخبط في الحديث عن موضوعات لا شأن لي فيها.