كم واجه إبليس حوادث أدق في (دوفيل)! إنه ما يزال يذكر مع الغبطة حادث البارونة س. . التي وسوس إليها أن تبيع حليها لتعطي ثمنها إلى عشيقها كي يخسر هذه النقود على المائدة الخضراء أولاً فأولاً، ولما نفذت الحلي وهدد العشيق البارونة بالهجر، لجأت إلى تزوير إمضاء وجها على شيك، ولكن اكتشف التزوير فاضطرت البارونة أن تنتحر اتقاء للفضيحة والعار
في مساء يوم زيارته لمنزل تلك الأسرة، اقتنص إبليس بضعة جراثيم دفتريا فوضعها في قنينة ثم حفظها في جيبه. . ثم ذهب إبليس في اليوم التالي يزور الزوجة، وقد تزيا في هذه المرة بزي بائع حرائر، ولن لم يكد يقترب من المنزل حتى سمع صوتاً جميلاً ينبعث من الحديقة لم يسمع أعذب منه منذ خروجه من الفردوس، فوقف يصغي إليه. . ثم تقدم خطوات. . . فشاهد الزوجة الجميلة مكبة على طفلها وهو راقد في مهده تناغيه. تأثر إبليس بجمال هذا النظر تأثراً شديداً، فألقى القنينة بعيداً وانسحب كي لا يعكر صفاء هذه الأم الجميلة. .
أحس إبليس في طريق عودته الى الفندق بسعادة عميقة تغمر نفسه، فخبأ وجهه بين يديه حتى لا يراه شيطان آخر على هذه الحالة، فيحاول أن يقضي على سعادته!
يا للعجب! إن إبليس عاشق! إنها حقاً نهاية النهايات!
أخذ إبليس طوال الليل يفكر في حاله، لا يدري ما يفعل. . فكرأولاً في قتل الزوج ليتقدم بعد ذلك الى المحبوبة في صورة شاب جميل سري، ولكن تراءى له عندئذ المحبوبة سابحاً في الدموع على فقدها زوجها، فأقصى عنه تلك الصورة القاسية المنطوية على الحقد والأنانية، لأن إبليس لم يعد شريراً وقد طهر الحب قلبه. .
وللمرة الأولى، أحس إبليس انه بائس، أشد بؤساً من متسولي الهند. . .
وللمرة الأولى أيضاً، بكى إبليس، وكانت دموعه هذه المرة دموعاُ بشرية بيضاء على غير العادة، إذ كانت عيونه قبل ذلك تفرز سائلاً أسود مثل نفسه السوداء. . .
ولما لم يجد إبليس وسيلة للاستيلاء على المحبوبة دون تكدير صفوها، قرر أن ينتحر. .
غادر إبليس الفندق وسط الظلام، ثم ذهب فتسلق أعلى قمة في الجبل وقفز منها الى السماء، فاحترق جسمه من السرعة التي انطلق بها في الجو. . .