شرار من النار يجري مع الزبد الأبيض على جانبي المركب. سبحانك اللهم!! لقد نقشت في كل شيء آي قدرتك، ولا سيما في أطباق اللجج وأعماق السموات: ملايين من النجوم تشع في القبة الزرقاء، وبدر ثم يتألق في كبد السماء، وبحر لًجى من غير ساحل ولا حد، ولا نهايةٌ في السماء وعلى الماء! أبداً ما هزت قلبي عظمتك بمثل ما هزته في هذه الليالي، وأنا معلق بين الكواكب والأقيانوس، فوق رأسي سعة لا تحد، وتحت قدمي سعة لا تقاس
أنا لست شيئاً، إنما أنا ناسك ساذج. ولطالما سمعت العلماء يجادلون في (الكائن الأول) فلم أفهم عنهم. ولكني لاحظت أن هذا الكائن المجهول يستعلن وجوده في قلب الإنسان كلما نظر في المشاهد العظمى للطبيعة
ففي ذات ليلة ساجية الجو هفافة الريح، وجدنا أنفسنا في تلك البحار الجميلة التي تنضح شواطئ (فرجينينا)، وكانت الشرُع كلها مطوية؛ وكنت أنا مشغولاً داخل السفينة حين سمعت الناقوس يدعو البحارة الى الصلاة، فأسرعت مع رفقاء السفر أمزج دعواتي بدعواتهم، وأضم صلاتي إلى صلواتهم. وكان الضباط والركاب قد أخذوا مواقفهم على كوثل السفينة، والقسيس في يده كتابه قد وقف من دونهم قليلاَ، والملاحون قد انتشروا على ظهر المركب. وكنا جميعاً واقفين ووجوهنا شطر قيدوم السفينة وهي ناظرة إلى المغرب. وكان قرص الشمس وهو على أهبة المغيب في الماء، يتراءى من خلال الجبال في وسط الفضاء، فكان يخيل إلي من نوسان كوثل السفينة أن الكوكب المضيء يغير أفقه في كل لحظة! وكانت قطع من السحاب قد انتثرت على غير نظام في المشرق، والبدر البازغ قد أخذ يرتفع بطيئاً في الأفق، وكانت بقية السماء صافية الأديم سافرة الوجه؛ وفي جهة الشمال انبعث من البحر إعصار يتألق بألوان المنشور الزجاجي كأنه عمود من البلور قامت عليه قبة السماء، فتألف منه ومن كوكب النهار وكوكب الليل مثلث باهر الجلالة!
إن الرجل الذي لا يدرك جمال الله في هذا المشهد ليستحق الرثاء والرحمة! أسبلت أوراق عيني على الرغم مني حين حسر الرفاق قبعاتهم المقطرنة عن رءوسهم وأنشدوا بصوت أصحل أبح نشيدهم البسيط:(سيدتنا صاحبة المعونة وحامية البحارة)
لشد ما أثر في نفسي صلاة هؤلاء الرجال وقد وقفوا وسط المحيط على لوح هَشٍ من الخشب يتأملون الشمس وهي تغرب في اللجة: فالشعور بحقارتنا أمام عظمة اللانهاية،