فلم أدر ماذا أقول، وكنت أنا أحمل الكلب، وهي تحمل معطفي - كما تبينتُ فيما بعد - ولكني لم أكن أرى أو أدرك شيئاً، سوى أن لساني قد انعقد، وأني فقدت القدرة على الكلام وعادت الفتاة تقول: (صحيح، أنا متشكرة جداً)
فكان كل ما فتح الله به علي: (إني أحب الكلاب)
ولم أكن صادقاً في ذلك، فما أحب الكلاب ولا أطيقها، وما رأيت قط كلباً - ولو كان ميتاً - إلا ذهبت أفكر بسرعة في أقرب مستشفى للكلب!
وسمعتها تقول: (لا شك أنك تحبها! وإلا لما جريت وراءه هكذا!)
فقلت: (نعم، إني أحب. . . . أحبها. . . هل تحبينها؟)
قالت: (نعم، حباً جماً)
قالت: (بعض الناس لا يحبونها)
قلت: (صحيح - أنا. . . مثلاً. . . أحبها. . . أحبها كثيراً)
ثم كأنما انحلت عقدة لساني، ونزلت عليه الفصاحة والبيان فقلت من غير أن أتلعثم أو أتأتيء أو أفأفيء:
(أحب الكلاب بأنواعها - القَلَطي والسلوقي والمالطي والأرمنتي والبول دوج والثعلبي، وأحب هريرها ونباحها وهوهوتها، وأحب لعبها وعبثها وعضها)
وخانني بياني فأمسكت. فقالت:
(يظهر أنك تحب الكلاب!)
فقلت: (نعم، أحب الكلاب. . . جداً)
قالت: (إن لها مزاياها)
قلت: (صحيح - إن للكلاب مزاياها -) وفتح الله علي فأضفت (وكذلك للقطط مزاياها)
فقالت: (صحيح - القطط أيضاً لها مزاياها)
قلت: (لاشك - ولكن القطط تختلف عن الكلاب)
قالت: (نعم تختلف - لقد لاحظتُ ذلك)
وكان ينبغي أن أجيب بشيء، فقد اتسع الموضوع ولم يعد مقصوراً على الكلاب، ولكنه لم يخطر لي كلام أقوله، فعضضت لساني من الغيظ، وسكت، وسكتت هي أيضاً، ووقفتُ