ولكن في هذا الوقت، في منتصف القرن السابع عشر، اخذت الاعوام تتمخض في العالم عن احداث عظيمة، ففي انجلترا وفرنسا وإيطاليا، وفي كل ركن وبين كل ملأ، أخذ رجال ينظرون من جديد في كل شيء يقال له علم، وفي كل أمر تُنتحل له لفظة الحقيقة، قالوا: لن يغنينا بعد الآن ما تحدث به أرسطو ولا ما أرتاه البابا. لن يغنينا بعد الآن إلا ما تراه أعيننا باطالة النظر وإدامة الملاحظة، وإلا ما تجده موازيننا وتكشف عنه تجاريبنا)
وكان في انجلترا من بين هؤلاء الثائرين نفر قليلون ألفوا فيما بينهم جماعة أسموها (المدرسة المتسترة). وكان لابد لهم من التستر خشية على رقابهم من حبال المشانق (فكرومويل) كان رب هذا العصر والحاكم بأمره فيه، فلو أنه علم بهم، وعلم بالأقضية الغريبة التي يبحثون، لقضي على أهل البدعة المؤتمرين بالموت. . . . وكان من بين هذا النفر المتستر (ربوبرت بوبيل) واسحق نيوتن وارتقى شارل الثاني عريش ملكه فخرجت تلك الجماعة من الظلام إلى النور، ومن غيهب الجب الستار الذي كانت تعمل فيه إلى نهار وضاح مذياع ينشر اسمها الجديد إلى الرياح الأربع. وتسمت بالجمعية الملكية الانجليزية وكانت هذه الجمعية الوقور الجليلة أول مستمع إلى (لوفن هوك)، وذلك أنه كان في مدينة (دلفت) رجل يسمى (رجنيير دي جراف) كان قد كشف في مبيض الأنثى من البشر عن أمور ذات قيمة وخطر، فكتب بها إلى الجمعية الملكية فكافأته فاختارته عضواً مراسلاً. وكان (دي جراف) الرجل الوحيد من بين رجال (دلفت) الذي لم يضحك من (لوفن هوك)، وكان (لوفن) قد تجهم للناس وتنكر لهم مما هزءوا منه وأساءوا اليه، ومع ذلك أذن لـ (دي جراف) أن ينظر بعيون بابل التي صنعها: أن ينظر بتلك العدسات الصغيرة التي لم يكن يوجد مثلها في أوربا ولا في انجلترا بل ولا في العالم كله. نظر (دي جراف) في تلك العدسات فأكبر ارأى، وتصاغر في عينه مجد كسبه، وأسرع فكتب إلى رجال الجمعية الملكية يقول اكتبوا إلى لوفن هوك واسألوه أن يكتب اليكم بالذي اكتشف
وأجاب (لوفن) رجاء الجمعية فكتب إليها بلغة الواثق الجاهل قدر الفلاسفة العظام الذين يكتب اليهم. وكان كتاباً طويلاً ثرثاراً مضحكاً لا أثر للصناعة فيه، تناول من الموضوعات كل ما دارت عليه الشمس. وان مكتوباً بلغة التخاطب الهولاندية وهي اللغة الوحيدة التي