وسألني: (مالك، لم أرك قط على مثل هذا الحال؟)
قلت: (يا أخي أتريد أن تفضحني)
قال: (أفضحك؟ لماذا؟)
قلن: (تشرب النبيذ وأنت معي؟ ماذا يقول الناس عني إذا رأوك ورأوني)
قال: (إيه؟ أنت تخجل أن يراك الناس مع صاحب يشرب خمراً؟ متى تغيرت عن عهدي يا صاحبي؟)
قلت: (اليوم. .)
قال: (على كل حال، هذا لا يعنيك. . اطلب ما شئت إلا الخمر. . . فلن أدفع ثمن قطرة)
فأطال التحديق في وجهي، ثم قال:
(ليس هذا مربط الفرس. . . ما هي الحكاية؟ قل بصراحة!)
فلم أعد أطيق الكتمان، فقد كنت أمعائي تنقطع من الجوع، وعيني تكاد تخرج من الغيظ، وشق علي أن أراه يلتهم الطعام وأنا جالس أنظر وأتضور واتحسر، فانفجرت قائلاً:
(الحكاية يا أحمق يا غبي أن كل ما معي في هذه الساعة المنحوسة التي تجلس فيها أمامي خمسة وعشرون قرشاً. . . وأنت تأكل كأنك ما ذقت طعاماُ منذ قرن كامل، وتريد فوق ذلك أن تشرب نبيذاً! شيء لطيف جداً؟ ومن أين أجيء بثمن النبيذ الذي تفرغه في جوفك؟ أرهن ثيابي؟؟ أم أطعمك وأسقيك، نسيئة؟ او كان في رأسك هذا ذرة من العقل والفهم، أو في عينك تنظر لفطنت إلى الحقيقة ولم تحرجني إلى الكلام، ولكن كل جارحة فيك مَعِدة. . .)
فقال بعد طول الإصغاء: (أهو ذاك؟)
قلت بغيظ: (نعم هو ذاك يا أيها الكرش؟)
فلم يجب بشيء وصفق فجاء الخادم فقال له:
(اطعم هذا الجوعان المسكين)
فقلت له: (قبحك الله! ألا بد أن تفضحني؟)
قال: (ألا تستحق ذاك؟)
قلت: (ليس هذا وقت الجدل. . هات دجاجة سمينة)