فجاءت علينا القوط من كل جانب ... بسيل عظيم جملة بعد جملة
ومالوا علينا كالجراد بجمعهم ... بجد وعزم من خيول وعدة
فكنا بطول الدهر نلقي جموعهم ... فنقتل فيها فرقة بعد فرقة
وفرسانهم تزداد في كل ساعة ... وفرساننا في حال نقص وقلة
فلما ضعفنا خيموا في بلادنا ... ومالوا علينا بلدة بعد بلدة
وجاءوا بأنقاض عظام كثيرة ... تهدم أسوار البلاد المنيعة
وشدو عليها في الحصار بقوة ... شهوراً وأياماً بجد وعزمة
فلما تفانت خيلنا ورجالنا ... ولم نر من إخواننا من إغاثة
وقلت لنا الأقوات واشتد حالنا ... أطعناهم بالكره خوف الفضيحة
وخوفاً على أبنائنا وبناتنا ... من أن يؤسروا أو يقتلوا شر قتلة
على أن نكون مثل من كان قبلنا ... من الدجن من أهل البلاد القديمة
ونبقي على آذاننا وصلاتنا ... ولا نتركن شيئاً من أمر الشريعة
ومن شاء منا البحر جاز مؤمناً ... بما شاء من مال إلى أرض عدوة
إلى غير ذاك من شروط كثيرة ... تزيد على الخمسين شرطاً بخمسة
فقال لنا سلطانهم وكبيرهم ... لكم ما شرطتم كاملاً بالزيادة
وأبدى لنا كتباً بعهد وموثق ... وقال لنا هذا أماني وذمتي
فكونوا على أموالكم ودياركم ... كما كنتمُ من قبل دون أذية
فلما دخلنا تحت عقد ذمامهم ... بدا غدرهم فينا بنقض العزيمة
وخان عهوداً كان قد غرنا بها ... ونصرنا كرهاً بعنف وسطوة
وأحرق ما كانت لنا من مصاحف ... وحلطها بالزبل أو بالنجاسة
وكل كتاب كان في أمر ديننا ... ففي النار ألقوه بهزؤ وحقدة
ولم يتركوا فينا كتاباً لمسلم ... ولا مصحفاً نخلو به للقراءة
ومن صام أو صلى ويعلم حاله ... ففي النار يلقوه على كل حالة
ومن لم يجئ منا لموضع كفرهم ... يعاقبه الألباط شر العقوبة
ويلطم خديه ويأخذ ماله ... ويجعله في السجن في سوء حالة