فأجابه ليبنتز يقول:(. . . ولكنك يا رجل إذا لم تعلم الشباب صناعة العدس وطرق البحث والنظر زال كل هذا عن وجه الأرض بزوالك). فكتب صاحبنا الهولاندي باستقلاله المعهود يقول:(لقد أعجب أساتذة (ليدن) وطلبتها باكتشافاتي مرة في أيام سالفة بعيدة فاستأجروا من نحاتي العدسات وصاقليها ثلاثة جاءوا يعلمونهم صناعتها، فعلى أي نتيجة خرجوا؟ لا شيء بقدر ما أرى، لأن جل الدروس أو كلها كانت تعطى لاكتساب المال ببيع العلم أو إظهاراً للعلم بغية احترام الناس وإعجاب الدنيا، وتلك نوازع لا تمت بسبب إلى اكتشاف خبايا الطبيعة المحجوبة عن أبصارنا، فهذه دراسات قد لا يصلح لها من الألف واحد، لأن الزمن الكثير يضيع فيها، ولأن المال الكثير يضيع فيها، ولأنها تستغرق من صاحبها فكره كله وحسه أجمع لكي يخرج منها على شيء. . .)
هذا أول رجال المكروب وكاشفيه. وفي عام ١٧٢٣، وقد بلغ الحادية والتسعين استدعى صديقه (هوجفليت) وهو على سرير الفناء. فلم يستطع رفع يده. وملأ الدمع جفنيه وتقاربا ليلتحما بلحام الموت. فغمغم إليه:(صديقي هوجفليت، رجائي إليك أن تترجم الكتابين اللذين على المنضدة إلى اللاتينية. . . . . ابعث بهما إلى لندن. . . إلى الجمعية الملكية. . . . . . . . . . . . . .)
وبذلك بر بوعده للجمعية الذي أبرمه من خمسين سنة خلت أنْ يكتب لها إلى آخر رمق. وبعث (هوجفليت) الكتابين وكتب معهما يقول: (أسيادي العلماء، أبعث لكم آخر هدية من صديقي المحتضر، راجياً أن تحظى آخر كلمة له بالرضاء منكم)
وهكذا ذهب أول البحاث في عالم الجرثوم. وستقرأون عن اسبالتراني وهو أنبه منه، وعن بستور وله أضعاف ما لصاحبنا من خيال، وهم روبرت كوخ وقد قام بأعمال أسرع ثمرة من أعماله في تخفيف ويلات المكروب عن الإنسان، وعن آخرين لهم اليوم كما لهؤلاء صيت أبعد وذكر أشيع ولكن صدقوني لم يكن بين هؤلاء وهؤلاء من كان يطاول في الأمانة، ولا في الدقة، ولا في الحكم على الأمور، هذا القماش الهولاندي البسيط.