للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان في استطاعة سامي بحكم تربيته وبيئته أن ينهر الخادم، أو يزجرها، ولكن المؤلف يضعه في هذا الموقف على أبواب لغز، وكأن كلمات (أم خضير) جاءت إليه من عالم بعيد مجهول، فأيقظت العواطف الراكدة في أعماق نفسه، ودفعتها في طريق محفوفة بالآثام والمخازي

خطوات سامي في هذا الطريق الوعر قلقة مضطربة، فهو موزع الإحساس الجسدي بين فتحية وبين الغانيات وزوجة أخيه تهاني، وشخصيته في الرواية كخطواته غير مستقرة، يبدو أحياناً في هدوء عجيب، وأحياناً أخرى في عنف وشراسة. أما فتحية فيحوطها المؤلف بحالة غموض وإبهام وتجلد أمام الآلام، بحيث لا تتفق شخصيتها مع الواقع، وحالة تحفظ في التعبير بحيث يدفعها في الخفاء إلى كبت عواطفها كبتاً لا يمكنها معه أن تبوح بحب أو ترفع صوتها بشكوى برغم شعورها بالألم وإحساسها بأنها ليست مذنبة في نظر المجتمع. ولو أدرك المؤلف أن العواطف المكبوتة قد لا تخلو من الإحساس لاستكمل النضوج الفني للصورة

وعلى العكس يبدو فن المؤلف واضحاً وأفكاره مستوية وهو يعرض علينا عقب ذلك خيال فتحية غير المحدود، عندما يتراءى لسامي بين ظلال الوعي وساعة هدوء الروح وابتعادها عن إثم الجسد، فهي تتمثل له طهارة كل فكرة وصفاء كل هاجسة، حتى إن المؤلف ليكسو خيالها بإشعاع من روح العطف والحدب على مصيرها. أما تهاني - زوجة أخيه - فهي مثال الفتاة العابثة النزقة لتي لا تبالي بالتقاليد ولا بالأوضاع حتى إن صورتها كانت في عقله الباطن صورة امرأة غاوية قبل أن يفكر في ارتكاب الخطيئة معها، فهي تتمثل له في وجه كل غانية يلقاها، ونفس شخصيتها تتلاشى تماماً في الشهوة النجسة. ولما مات أخوه وأحس أمام جثمانه بالندم يفر وفر يطلب العزلة بعد ضجيج المأتم وانكفأ يستعرض حاله، فقاده حاضره إلى التفكير في فتحية فخرج من صمته هائماً لا يلوي على شيء، بعد أن أحس أن جدران القصر تنهار (كالأطلال)، وأن شبح تهاني يطارده حتى أدرك القرية، وهناك سأل عن فتحية فإذا بها قد ماتت، وإذا طفل يجري أمامه عليه ميسم اليتم ومسحة من جمال فتحية فيحتضنه بعد أن يعرف أنه ابنه ثم يبكي. . . . .

والأستاذ تيمور الذي يجسم يعيني الفنان كل صورة في عالم الأنوار والظلال ينجح نجاحاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>