ثابتة، غير أنها تمر بأرضها وتموج في نفسها؛ ومتى تأذَّنَ الله أن ينكشف نورُ كلامه لعقل الإنساني، فستكون هذه الآية علماً جديداً في الأرض يُثبت أن السحاب والجبلَ مادةٌ واحدة وصُنعٌ واحد
ويا لها سُخرية بالإنسان وجهله! فانه إذا كانت الحقيقةُ غير ما نرى، فكل شيء في الدنيا هو ردُ على النظر الإنساني، ويكاد الجبلُ العظيم يكون كلمةً عظيمةً تقول للإنسان:(كذبت!)
فالشأنُ في الخوارق والكرامات راجعٌ إلى القدرة أن يسلط الإنسان الروحاني ما فيه من سر النور على ما في بعض الأشياء من هذا السر، وتلك هي طاعةُ بعض الكون لمن ينصرف عن المادة ويتصل بخالقها
فإذا بقي في الرجل الروحاني شيءٌ من أمر جسمه يقول:(أنا. . .) لم يكن في الرجل من تلك القدرة ذرة؛ فان هو حاول أن يخرق العادة أبى الكون أن يعرفه إلا كما يعرف حجراً مُلقى يحاول أن يتصرف بالجبل الذي هو منه فينقله أو يزحزحه أو يزلزله
ولا خير على الأرض مطلقاً إلا وهو أخذٌ من حقوق هذه الـ (أنا. .) في إنسانها، ولا شر على الأرض مطلقاً إلا وهو إضافة حقوق اليها؛ فحين لا يبقى له حقٌ في شيء عند نفسها، يجب لها الحق على كل شيء. وهذه هي الكرامة؛ تُكرِمُ الخليقة من أكرمه الخالق
فمن أراد أن تتصل نفسه بالله فلا يكنْ في نفسه شيءٌ من حظ نفسه، ولا يؤمن إيمان هؤلاء العامة: يكون إيمانهم بالله فكرة تذكر وتُنسى، أما عملهم فهو إيمانهم الراسخُ بالجسم وشهواته يُذكر ولا يُنسى.
وأنت ترى رجالَ الروح يأكلون ويشربون ويلبسون، ولكن هذا كله ليس فيه ذرة من أرواحهم، على خلاف غيرهم من الناس؛ فهؤلاء كل أرواحهم في مطاعمهم ومناعمهم؛ ومن ثم لا يجري الشيطان من الأولين إلا في بحارٍ ضيقة أشد الضيق لا يكاد ينفذ منها إلى فكرة أو شهوة أو حُلُم من أحلام الدنيا، أما الآخرون فالشيطان فيهم هو تيار الدم يَعب عبابه في الأسفل والأعلى
قال أبو الحسن: وكنا يومئذ في دمشق، فنبهني كلامُ الشيخ عن الشيطان إلى ما قرأته عن كثيرين ممن رأوا الشيطان أو حاوروه أو صارعوه؛ فقلت للشيخ: إن من حقك عليَّ أن