للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو أن أمةً كلها أطفالٌ أو كهول أو شيوخ لبادت في جيل واحد، وإنه ليس أسمجَ من الرذيلة تكون وحدها في الأرض إلا الفضيلةُ تكون وحدها، فلا بد من شيء يظهرُ به شيء غيره، كالضد والضد. والمعركة إذا انتصر كل من فيها كانت هزلاً وكانت شيئاً غير المعركة

قال أبو الحسن: وقلت لهم: فإذا كان الشيطان سجيناً قد ربَضت به أثقاله حتى لهو في سجنٍ من سجنٍ مبالغةً في كفه والتضييق عليه - فكيف يَفتنُ الناسَ في أرجاء الأرض ويوسوسُ في قلوبهم، حتى لهو يد بينُ كل يدين، وحتى لَهو العين الثالثة لعيني كل إنسان؟

قالوا: إن في روحه النارية قوةً تَفْصِل منها وتنتشر في الأرض، كشعاع الشمس من الشمس، هذه كُرَةٌ ناريةٌ ميتة مطلقة على الأجسام مُرصدة لها، وتلك كرة نارية حية معلقة على النفوس مرصدة لها، وبهذه وتلك عَمارُ الدنيا وأهلِ الدنيا

قلت: لعلكم أردتم أن تقولوا: (خراب الدنيا وأهلِ الدنيا) فغلطتم فكان ينبغي أن يجيء بدل الغلط. . . .

فقال أحدهم: يا أبا الحسن، خَرَق الثوبُ المسمار. جاز هنا لأمن اللبْس أن يكون المفعول به وهو الثوب مرفوعاً وفاعله وهو المسمار منصوباً، هل جئت - ويحك - تطلبُ النحو وتطلب الشيطان. . . .؟

قال أبو الحسن: فقطعني الجني (والله) وأخجلني، ونظرت خلسة إلى الشيخ أراه كيف يسخر مني، فإذا الشيخ قد أملسَ فلا أراه، وإذا أنا وحدي بين الجن وبازاء هذا الساخر الذي وُضِعَت عينه في جبهته وشُق فمه في قفاه. . . . .! فَسُرِّيَ عني وزال ما أجده، وقلت في نفسي: الآن أبلغ أرَبي من الشيطان ويكون الأمر على ما أريد فلا أجد من أحتشم ولا تَقْطَعُني هيبة الشيخ. . . .!

وقع هذا الخاطر في نفسي، فاستعذت بالله ولعنت الشيطان وقلت هذا أول عبثه بي وجعله إياي من أهل الرياء، كأن لي شأناً في حضور الشيخ وشأناً في غيابه، وكأني منافق أعلن غير ما أسِر، وقلت: إنا لله! كدت يا أبا الحسن تتشيطن!

ثم هممتُ أن أنكص على عقبي، فقد أيقنتُ أن الشيخ إنما تخلى عني لأكون هنا بنفسي لا به، وما أنا هنا إلا به لا بنفسي، فيوشك إذا بقيتُ في موضعي أن أهلِك! بَيْد أن المغارة

<<  <  ج:
ص:  >  >>