مفترس أو روح شرير، فكانوا يبكون صامتين، يشيرون إلى مكان قريب.
مفترس! وحش! روح شرير!!
ليس في المكان إلا ما في الغابة من شجر ووحشة ودوي طويل. خرج عليهم (الوحش) يدعوهم إلى الهدوء والاطمئنان. فتلقوه مؤنبين معرضين، فتولى عنهم في غيظ وكمد. مختفياً في الغابة الممتدة الواسعة. تلك الغابة العنيدة التي هو سيدها ومالكها والتي يهبها صدقه يسمح بحطبها وحياتها ومتاعها حلالا طيباً للسائلين والمحرومين.
أقبل على الغدير الصغير، وهنالك أمام خرير الماء الطاهر البريء، الجاري من الأزل إلى الأبد، وقف في إطراق وصمت وتسليم قليلاً ثم نظر إلى العود الذي يتوكأ عليه. وهو من حطب الغابة، وكتب به في بطء ولين وتفكير كلمات لا شك أنها ذاهبة مع الماء في مجراه. .
ثم أتخذ سبيله عائداً إلى البيت الذي يأويه وكان قد هجره بمن فيه وما فيه.
وإذ هو يمشي وئيدا كئيباً وقد طواه غسق الليل، أبصر المحتطبين خارجين من الغابة فرحين محملين وهم يذكرون الوحش المفترس والروح الشرير. . .
تثور نزعاته تطلب لوجودها جهراً. ولكنه يكظمها في نفسه صبرا، ثم تفور عواطفه فورا. فيحبسها في صدره غورا ثم يسرع الخطى على غير هدى قليلا حتى يدله الألم الساري وسط ظلام الحياة على حقيقة عذاب الإنسان للإنسان، ومكان الإحسان عند الإنسان، وأن الجهر بالإحسان إحسان. .
ثم يذكر ما كتب على صفحة ذلك الغدير الصغير، ويردده في ألم وثورة وأسف، حقاً إن في صمت الإحسان جنة للناس وعذاب للمحسنين. .