للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أخيرا، فقد لاحظت ان لون عينيه مختلف فله عين زرقاء والأخرى كحلاء. فلو أردت أن أذكر لك هذه الصفة فيه استعملت لها سطراً من الكلام، ولكني وجدت في القاموس كلمة واحدة تؤدي هذا المعنى كله وهي (أخيف) وهذه الكلمة نفسها تغنينا عن جملة أخرى، فإن الأبناء الذين هم من أم واحدة وأباء شتى يقال لهم (أخياف) فيمكنك في الأول أن تقول (فلان أخيف) بدل (فلان إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء) وفي الثاني (هؤلاء الاخوة أخياف) بدل (هؤلاء الاخوة من أم واحدة وآباء شتى)، وقد كسبنا بذلك الوقت والسرعة ولفظة جديدة، وهذه الكلمة لا أحد يقول (حتى الأستاذ أحمد أمين) إنها نافرة أو ثقيلة على الجيل الحاضر، وقد استعملها ابن زيدون في قطعة جميلة من شعره.

فقال صديقي الكاتب الكبير في صيغة التحدي والتهكم، إنك بذكر هذا اللفظ أطلت في الوقت وأضعفت من السرعة لأنك ستشرحها للقارئ بهذه المعاني التي ذكرتها، فكان خيراً لك وله لو انك اكتفيت بالشرح عن المشروح فلم تذكر اللفظ الواحد ثم تتبعه بجملة شارحة، فقلت أنا أولاً لا أسلم بضرورة الشرح فان القارئ واحد من أثنين، قارئ يقظ يقرأ ليفهم ويفتش عن كل كلمة ولا يكتفي بالفهم الإجمالي، وهذا القارئ عندما يجد هذه الكلمة (إذا لم يكن يعرفها) سيبحث عنها في القاموس حتى يعرفها، ومن المرجح انه بعد ذلك لن ينساها، وهذه وحدها فائدة أخرى، والقارئ الثاني يمر على الكلام مراً ويكتفي بالفهم الإجمالي، فهذا ليس يهمني أن أشرح له، ولعله هو أيضا لا يهتم لشرحي، وعلى فرض التسليم بضرورة الشرح لهذه الكلمة ومثلها، فان الشرح لن يكون الا بمقدار ما تشيع هذه الألفاظ وتعرف لجمهور القارئين وعند ذلك تترك وحدها فيفهمها القارئ ونكسب نحن وهو الوقت والسرعة وألفاظاً جديدة تزيد في لغتنا وتنميها، ثم ذكرت له بعضاً من الألفاظ والجمل استعملها هو بدءا وشرحها في أول ما استعملها وأصبحت الآن مفهومة لكل قارئ وشائعة على أقلام الكاتبين وألسنة الناطقين حتى كأنها تستعمل منذ مئات السنين.

ولعلنا نجد في المقالات القادمة للأستاذ أحمد أمين أننا فهمنا من كلامه غير ما يقصده هو، وعندئذ فنحن على وفاق، أو في (خلاف لفظي. . .) كما يقول الأصوليون.

محمود. ع. الشرقاوي. عالم من الأزهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>