ندية وضمتها إلى الباقة، وهي تقول: وأنت أيضاً لحبيبي أرفيوس. . .
وبينا هي كذلك إذا أفعى هائلة تنسل من بين الأشجار، فتلدغ قدمها الصغيرة المعبودة المطمئنة في الحشيش الأخضر؛ فتصرخ المسكينة صرخة داوية، ثم تنطرح إلى الأرض، وتتناثر الورود والرياحين التي جمعته حولها، كأنها تنضد سرير موتها
وتجتمع صديقاتها مذعورات، فتعولن وتبكين، وتحملنها إلى أرفيوس الذي يستطار من هول الكارثة، وينخلع فؤاده من فداحة المصاب، ويحاول المستحيل لإنقاذ أعز الناس عليه؛ ولكن. . هيهات! لقد ماتت، واحتلكت الدنيا في عيني أرفيوس التعس، وأجدبت قيثارته من ألحان المرح، واستروحت إلى البكاء والأنين. فيا رحمتا لمن ينصت إليها ويصغي لها! زفرات حارة تصعدها أوتارها، وأنات مؤلمة ينبثق منها الدم تنبعث من أنغامها!
وأرفيوس، مع ذلك منزوٍ عن العالم، عزوف عن الناس، مستغرق في وحدته القاسية، يفكر في يوريديس
وصم ألا يفقدها كما يفقد الناس أحباءهم. بل لابد من رحلة طويلة إلى الدار الآخرة. . إلى هيدز. . حيث إله الموتى بلوتو، فيضرع إليه أن برد عليه زوجته التي لا حياة له إلا بها
فكرة غريبة، وتصميم عجيب؛ رجل من دار الفناء، له جسم، وفيه نفس تتردد من أخمصيه إلى ذؤابة رأسه، كيف ينفذ إلى دار الموتى وعالم الأرواح، ومملكة الظلال والأشباح؟!
لكنه أمل ملأ قلبه على كل حال، وهاهو ذا يحمل قيثارته، ويبدأ رحلته ولا يدري إلى أين؟
ضرب في الآفاق على غير هدى، وذرع الأرجاء في ضلال وحيرة، حتى رثت له الآلهة، فرشدته، وأنارت له سبيله؛ فاهتدى إلى ضفاف ستيكس ذي الزبد، حيث وقف شارون النوتي الجبار، الذي يحمل أرواح الموتى في زورقة، يعبر بها أنهار الجحيم للقاء بلوتو العظيم
وصاح شارون صيحة راجفة حينما لمح أرفيوس، وزمجر قائلاً:(يا ابن العدم، يا سليل الفناء، يا من لم تفض روحه بعد، ما جاء بك إلى هنا، وما تزال تتعثر في برد حياتك الرث، وتتكفأ في قيد دنياك الوبيلة؟ عد من حيث أتيت، وإلا فوحق بلوتو المتعال لأسحقن عظامك، ولأقذفن بك إلى ستيكس، فيطويك اليم وتشويك الحمم. . . عد. . . عد. . . عد أقول لك. . . ويْ. . ويكأنك لا تسمع!!)