للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد تطلب هذه المزية في تاريخ مصر القديم، وحضارتها التالدة، وما سلف لها من مجد ما برح يثقل مناكب التاريخ. ألا فاعلم أن مصر لا تستأثر بهذا ولا تستقل به، فهذه الصين لها حضارة لعلها اقدم من حضارة مصر، وهذه أمة اليونان وما أدراك ما حضارة اليونان، وعلومها، وفلسفتها، وفنونها، وعظمتها الحربية. ومجدها الذي طاول السماء. فانظر إلى ما صارت عليه الآن، وكيف تغّير لها وجه الزمان!

وهذه أمم قد كانت لها حضارات فخمة، وكانت لها قوة لا تعد لها قوة، وسطوة في أمم الأرض دونها كل سطوة، فدارت عليها رحى الزمان حتى طحنتها طحناً، وأحالتها في الخلق عِهنا، ثم ذرتها في الهواء، ولم يصبح لها من الآثار، إلاّ ما قيدت الصحف من مأثور الأخبار. وأين منا الآن فينيقيا وأشور وبابل وغيرها من دول لم يدرك شأنها شان، ولم يدان سلطانها في الأرض سلطان!. ومهما يكن من شيء فالوصف بعظمة الماضي، وجلالة التاريخ، وفخامة المجد التليد، ليس مما يجدي المصريين في هذا الباب ولا يفيد!

أرجوك يا سيدي الطلعة إلا تجهد بطول البحث والتحري، وشدة الفحص والتقري، فانك، في الغاية، لن تخرج بشيء من هذه المظان التي ترجو أن توافقك فيها طلبتك، ولن تصيب لمصر في هذه الأيام من الصفات ما يقع عليها على جهة التعيين، ولو فتشت نجوم السماء، ونقضت كل ما على ظهر الأرض من الحصباء!

على أنني متبرع، لوجه الفضول وشهوة التطلع، بان أهديك إلى الخلة التي تختص بها مصر في هذا الزمان وتستأثر، بحيث لا يشاركها فيها مشارك، ولا ينازعها عليها منازع. وبحيث لو حشُرت الخلائق كلها في صعيد واحد؛ وبعث معهم كل من لحقهم الدثور، وجميع من غيبتهم القبور، ومن نهشتهم وحوش البر، وسباع الطير، والتقمتهم الحيتان في جوف البحر، من مهلك عاد وثمود؛ ومقتل أصحاب الخدود، وصحت فيهم أي الأمم ألان صفتها كيت؟ لأجابوك في نفس واحد: هي مصر!

وهذه الخلة التي تمتاز بها مصر اليوم وتنفرد دون سائر أمم

الأرض جميعا هي الشكوى! نعم هي الشكوى!. وإنني أتحدى

من شاء، وأخاطر من شاء على ما شاء، إذا زعم أن هناك أمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>