للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما معاونو الإدارة، فلا تسكن لهم شكوى. تارة بتقديم (العرائض) وعلى ألسنة الصحف تارة!

ورجال القضاء أهليه وشرعيه، لا يفترون عن المطالبة بتعديل (كادر) الدرجات، وتحسين نظام العلاوات، حتى يتسق ما يتقاضون من الرواتب، لما يتقلدون من رفيع المناصب، ولا شك أن من أشد الإجحاف، أن تسوم الظلم من تقتضيه القيام على العدل والإنصاف

وهؤلاء حملة الشهادات ممن لم تستخدمهم الحكومة في مناصبها، هيهات أن تبطل لهم شكاية، أو تفتر لهم دعاية؛ فإذا استخدموا استأنفوا الشكوى من قلة الراتب، وسألوا الحكومة أن تمنحهم من الدرجات، ما يكافئ ما أحرزوا من عليا الشهادات!

أما المعلمون في التعليم الأولي بجميع ضروبه وأشكاله وألوانه، فهؤلاء لا ينقطع لشكاياتهم مدد، ولا يحصيه عدد، فهم كل يوم يمطرون المعارف (بالعرائض) إمطاراً، ويرسلون منها على الصحف وابلاً مدراراً. حتى أضحى المرء لا يشق صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية، أو شهرية، إلا رأي الشكايات تنفذ إليها من أقطارها، وتجري في جميع أنهارها، وحتى اصبح خلو صحيفة واحدة من ذلك مما يثير الريب ويدعو إلى اعجب العجب!

هذا بعض ما يكون من الموظفين، أما التلاميذ وأولياء التلاميذ، ففي كل يوم شكوى من ضيق المدارس بالوافدين، ومن المصروفات المدرسية، ومن رسوم الامتحانات العامة، ومن صعوبة أسئلة الامتحان، ومن الدرجات التي تشترط للدخول في امتحانات الملاحق، وهكذا مما لا يبرح يطن في الآذان ما تعاقب المَلَوان، وطويت صحائف الزمان!

والأهلون الأهلون! لا ترى بلد في بلاد القطر كله إلا يشكو بعض أهله على الأقل، من عمدته، ويسرف في اتهامه بالظلم والجور، وإيثاره الهوى في معاملة الناس، وغفلته عن صيانة الأمن، ومصانعته لسراق الليل. وهكذا. فإذا لم تنفذ التهم إليه من أي باب، طلبوا إزالته لأنه (فقد النصاب)! وحسبك أن تزور يوماً وزارة الداخلية لترى من هذه العجب العجاب!

وهذا النيل إذا أقبل، فهل تسمع من أي بلد إلا موجع الشكوى. من احتباس الماء عن الأرض حتى عم الشرق، أو أن الماء طغى على الزرع حتى غمر الساق والورق!

وهؤلاء الأزواج يشكون الزوجات، وهؤلياء الزوجات لا ينين عن شكاية الأزواج، وهؤلاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>