(كان لسنا فصيحاً حسن الترسل وسط النظم مع معرفة تامة بالأمور خصوصا متعلقات المملكة). وإنه كان جيد النقد للشعر وإن لم يكن بارعا فيه. بيد أن ابن حجر يحمل على ابن خلدون بشدة، وينقل في ترجمته كثيراً مما قيل في ذمه وتجريحه. فهو يقول لنا في تاريخه أن ابن خلدون مؤرخ بارع (ولكنه لم يكن مطلعا على الأخبار على جليتها ولا سيما أخبار المشرق) ويعارض المقريزي في مدح المقدمة ويرى أنها لا تمتاز بغير (البلاغة والتلاعب بالكلام على الطريقة الجاحظية) وان محاسنها قليلة (غير أن البلاغة تزين بزخرفها حتى يرى حسناً ما ليس بحسن) وأما ابن خلدون كقاض فان ابن حجر يقول لنا: (أنه باشر القضاء بعسف وبطريقة لم تألفها مصر. وانه لما ولي المنصب تنكر للناس وفتك في كثير من أعيان الموقعين والشهود، وانه عزل لأول مرة بسبب ارتكابه التدليس في ورقة ثم ينقل في هذا الموطن كثيراً مما قيل في ذم المؤرخ وتجريحه. من ذلك إن أهل المغرب لما بلغهم ولايته للقضاء تعجبوا ونسبوا المصريين إلى قلة المعرفة بحيث قال ابن عرفة: (كنا نعد خطة القضاء أعظم المناصب فلما وليها هذا عددناها بالضد من ذلك) ومن ذلك قول الركراكي أحد الكتاب الذين عملوا مع ابن خلدون (أنه عرى عن العلوم الشرعية) بل ينقل ابن حجر أيضاً بعض المطاعن الشخصية والأخلاقية التي قيلت في حق المؤرخ من ذلك ما نقله عن العينتابي وهو أنه كان يتهم بأمور قبيحة وما نقله عن كتاب القضاة للبشبيشي، وهو (أن ابن خلدون كان في أعوامه الأخيرة يشغف بسماع المطربات ومعاشرة الأحداث وأنه تزوج امرأة لها أخ أمرد ينسب للتخليط) وأنه كان (يكثر من الازدراء بالناس) وأنه (حسن العشرة إذا كان معزولا فقط فإذا ولى المنصب غلب عليهم الجفاء والنزق فلا يعامل بل ينبغي أن لا يرى) وهذه أقوال تنم عن خصومة مضطرمة ومبالغة في الانتقاص تنحدر إلى معترك السباب والقذف. وقد كان البشبيشي بلا ريب من ألد خصوم المؤرخ وأشدهم وطأة عليه. وقد دوَّن حملاته على المؤرخ في كتاب ألفه في تاريخ القضاة ولم يصل الينا، ولكن ابن حجر ينقل إلينا منه تلك الفقرات الشخصية اللاذعة.
وأخيراً يقول ابن حجر من ابن خلدون وأثره يدعو إلى التأمل، فهو على رغم اتزانه واعتداله وعفة قلمه ينساق هنا إلى نوع من التجريح والانتقاص ليس مألوفا في كتاباته. ولا ريب أن في لهجته وأقواله مبالغة وتحامل، ولكن لا ريب أيضا أن لها قيمتها في تقدير