تستعرض شأنه في الجاهلية، وتقلبه في جميع الدول العربية في العصور الإسلامية. فلن تخرج من هذا إلا بأنه قد تأثر في كل عصر وفي كل بيئة بقدر ما تغير على القوم من مظاهر الحياة
ومعنى هذا الكلام أن الأدب العربي، في أي عصر من عصوره الخالية، مهما يجل قدره وتعظم ثروته لا يمكن أم يغنينا الآن في كثير من مطالب الحياة إذا نحن اتخذناه على حاله، ولم نعد ما كان من صوره وأشكاله. وإلا فقد سألنا الطبيعة شططاً. فهيهات للساكن الجاثم أن يلحق المتحرك السائر
وهناك أدب غربي دارج الحضارة الحديثة وسايرها خطوة خطوة، واتسع لكل مطالبها، وواتاها بجميع حاجاتها في غير مشقة ولا عناء. ولا يذهب عنك أننا إنما نتأثر الغرب في ثقافته وعلومه وفنونه وسائر وسائله، وهذه سبيلنا إلى ما نستشرف له من التقدم ومشاكلة الأقوياء، ولكن هذا الأدب الغربي الذي نقبل على محاكاته فيما نقبل عليه من آثار القوم، لا يتسق في بعض صوره لشأننا، ولا تستريح إليه أذواقنا، بل أنه قد لا يستوي في تصوراتنا، ولا يجدي علينا في كثير، أضف إلى هذا عجز بعض نقلته سواء في شعره أو في نثره، وقلة محصولهم من العربية، واضطرارهم، بحكم ذلك، إلى إخراجه، مترجمين كانوا أم محاكين ومقلدين، في صور بيانية شائهة الخلق، ناشزة على الطبع، لا يحس إلا مليخة باردة في مذاق الكلام!
وبعد، فإن مما لا يتقبل النزاع أنه لابد لنا من أدب قوي سري يواتي جميع حاجاتنا، ويساير ثقافتنا القائمة، ويتوافى لهذه الحضارة التي نعيش فيها، بحيث تطمئن به طباعنا، وتستريح إليه أذواقنا، شأن كل أدب حي في هذا العالم، ولعل من أشد الفضول أن نقول إن هذا الأدب لا يمكن إلا أن يكون عربياً. ولكن كيف الحياة في ذلك؟
ذلك ما نعالجه في مقال آخر إن شاء الله تعالى، فلقد طال هذا الحديث.