في العالم الآخر من طيبات، فطفقت تغني لذلك وتمرح في ذاك اليوم أكثر مما فعلت في أي يوم سابق. كذلك أنا، فإني أعتقد في نفسي بأنني خادم قد اصطفاه الله نفسه، وإني رفيق لطيور التم فيما تعمل، فأنا أظن أن قد آتاني سيدي من التنبؤ موهبة ليست دون مواهبها مرتبة، فلن أغادر الحياة أقل مرحاً من التم. فلا تحفلا بعد هذا، وتكلما فيما تشاءان، وسلا عما تشاءان، في هذه الفترة التي يسمح فيها حكام أثينا الأحد عشر بالكلام
قال سمياس: حسناً يا سقراط، إذن فسأنفض إليك مسألتي، وسينبئك سيبس بمشكلته، فإني لأقول مجترئاً إنك تحس يا سقراط، كما أحس أنا، كم هو عسير أو يكاد يستحيل أن تبلغ في مثل هذه المسائل يقيناً، مادمت في هذه الحياة الحاضرة، ومع هذا، فإني لأتهم بالجبن كل من لا يدلل عليها ما وسعه الدليل، أو كل من خار به قلبه قبل أن يخبرها من كل جوانبها. فينبغي للمرء أن يثاير حتى ينتهي إلى أحد أمرين: إما أن يستكشف حقيقتها أو يعلمها، فإن استحال ذلك فإني أحب له أن يأخذ بأقوم الآراء البشرية وأبعدها عن التنفيذ، وليكن ذلك طوفه الذي يسبح به في الحياة - وأني مسلم بأنه لن يفعل ذلك دون أن يتعرض للخطر، إذا هو لم يستطع أن يجد من الله كلمة تسير به على هدى وطمأنينة
والآن فسأجسر، كما تريدني، على أن أستجيبك، لأني لا أحب أن آخذ على نفسي فيما بعد أنني لم أدل برأيي في حينه الملائم، فغني إذا ما قلبت النظر في الموضوع يا سقراط، سواء أكنت وحدي أم كنت مع سيبس، بدا لي أن التدليل لم يكن حاسماً
أجاب سقراط - إنني لأعترف يا صديقي أنك قد تكون مصيباً، ولكني أحب أن أعلم في أي ناحية لم يكن التدليل حاسماً
فأجاب سمياس - في هذه الناحية: ألا يجوز أن يستخدم أحد هذا الدليل بذاته في القيثارة والانسجام - ألا يحق له القول إن الانسجام شيء خفي، غير جثماني، لطيف إلهي، موجود في القيثارة المنسجمة، ولكن القيثارة والأوتار، مادة، وهي مادية متألفة من أجزاء أرضية، وتربطها القربى بالفناء؟ وأنه إذا تحطمت القيثارة أو تقطعت أوتارها وتمزقت، فإن من يأخذ بهذا الرأي يدلل كما تدلل أنت، وبالتشابه نفسه، على أن الانسجام يبقى حياً ولا يفنى، لأنك لا تستطيع أن تتصور، كما يجوز القول، أن تبقى القيثارة بغير أوتارها، بل وتبقى الأوتار الممزقة نفسها، على حين أن الانسجام الذي يمت بأسباب القربى إلى الطبيعة