للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخلاقهم في حكاية تمثل

في ضوء هذه التعاريف للشعر وأصنافه ونواحيه المترامية الأطراف حين نلقي نظرة على شعر خسرو نجد أن عبقريته الشاملة لم تترك نوعاً من أنواعه ولا ناحية من نواحيه إلا باشرتها بالإجادة والإبداع. فهو قد أتقن جميع أنواع الشعر اتقاناً حقيقياً. وأنتجت قريحته في جميع نواحي الشعر إنتاجاً نال استحسان كبار الشعراء والنوابغ في زمنه وفيما بعد. وهذه مزية لم توجد في غيره. فإن غيره من شعراء اللغة الفارسية لم يقدر أحد منهم لا قبله ولا بعده، ولا في الهند ولا في بلاد فارس، أن يقول الشعر ويحاكي إلهامه الشعري في أكثر من صورة واحدة أو صورتين من أنواع الشعر

فملوك الشعر الفارسي يعدون ستة: فردوسي، وسعدي، وأنوري، وحافظ، وعرفي، ونظيري. ولكن مملكة كل منهم لم تتعد حدود نوع واحد من أنواع الشعر. فالفردوسي لم يقدر أن يتجاوز حدود المثنوي، وتصنيفه فيه هو الملحمة الكبيرة المسماة شاهنامه، وقد نشر ترجمتها بالعربية صديقنا الأستاذ عبد الوهاب عزام. وسعدي كان ملك الغزل، ولكنه لم يقدر أن يجيد القصيدة ولا المثنوي، كما أن براعة أنوري كانت محدودة في القصيدة، ولم تكن قادرة على الغزل المثنوي. كذلك حافظ ونظيري وعرفي كانوا نوابغ في الغزل، وغير قادرين على أنواع الشعر الأخرى. ولكن ذكاء خسروا الجامع المتسع لم يقتصر على واحد منها بل تناول (غزلاً) كما تناول (مثنوياً) وعالج (قصيدة) كما عالج (رباعياً) بغاية الإجادة والإتقان في جميع نواحيها، حتى لم يترك الأصناف الصغيرة الأخرى من الشعر الفارسي مثل (مستزاد) و (صنايع) و (بدايع)

هذا من حيث أنواع الشعر، وأما من حيث كمية الإنتاج، فنجد أنه لا يوجد له ند في ذلك أيضاً. فإن عدد الأبيات للفردوسي لم يزد على ثمانين ألفاً، كما أن عدد الأبيات للشاعر الفارسي صائب لم يزد على ألف، ولكن ما جادت به قريحة خسرو يبلغ بضع مائة ألف بيت. فقد ذكر غير واحد من المؤرخين في كتبهم أن عدد الأبيات الفارسية له يتراوح بين ثلاثمائة وأربعمائة ألف. وفي بعض الروايات ستمائة ألف

كان خسرو يجيد بضع لغات إجادة تامة. فكان يتقن التركية لأنه كان من أصل تركي. والفارسية لأنها كانت لغة دينه، والاردية لأنها كانت اللغة الشائعة بين الناس. ولم يكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>