للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسلمين. وقد كان لهذا النقض أثر واضح على كبار فلاسفة القرن الثالث عشر. ونظرة إلى مناقشة الجوهر الفرد تحملنا على أن نجزم بأنه اعتمد اعتماداً كبيراً على كتاب لابن ميمون؛ على أنه هو نفسه يعترف بذلك في صراحة تامة، ولا يفوتنا أن نشير إلى أن هذا الكتاب هو المصدر الوحيد الذي عرف منه الفلاسفة اللاتينيون نظرية الجوهر الفرد الإسلامية؛ فإنا لا نجد أي إشارة هامة متعلقة بهذه النظرية فيما ترجم إلى اللاتينية من كتب عربية أخرى. (فدلالة الحائرين) قد اختص إذاً بنقل بعض المسائل الإسلامية إلى المدارس الغربية في القرن الثالث عشر الميلادي لم يقف أثر هذا الكتاب في نشر الأفكار الإسلامية عند القرون الوسطى، بل جاوزها إلى العصور الحديثة. وذلك أنا نجد لدي واحد كاسيبنوزا أو كلابنتزا آراء كثيرة الشبة بآراء فلاسفة الإسلام. فنظرية النبوة عند الأول تشبه شبها عظيماً النظرية التي أخذ بها الفارابي؛ ومشكلة العناية ' عند الثاني لا تختلف كثيراً عما قال به ابن سينا من قبل. ربما يبدو غريباً أن نحاول إثبات علاقة بين مفكري الإسلام وهؤلاء الفلاسفة المحدثين؛ خصوصاً وقد جرت عادة مؤرخي الفلسفة الإسلامية أن يقفوا بها عند القرون الوسطى؛ وما فكر واحد منهم، فيما أعلم، أن يدرس الصلة بين هذه الفلسفة وفلسفة العصور الحديثة. غير أنا نرى أن هذه الصلة جديرة بالبحث والدرس ومعتمدة على أسس تعززها، فقد عرف اسبينوزا كتاب (دلالة الحائرين) وعني به عناية خاصة، كما عرفه لايبنتز، وأثنى عليه ثناء كبيراً. فعلى ضوء هذا الكتاب نستطيع أن نحدد إلى أي مدى تأثر رجال العصور الحديثة بالأفكار الإسلامية. يخيل إلينا أنا أول من تنبه إلى هذه العلاقات التاريخية؛ وقد حققناها فيما يتعلق بنظرية النبوة. ونأمل أن يمعن الباحثون في هذه الطريق التي سلكناها كي يلقوا جزءا من الضوء على طائفة كبيرة من النقط الغامضة، ويخدموا في آن واحد القرون الوسطى والتاريخ الحديث. نحن لا نقول بأن الفلسفة الإسلامية قد أثرت تأثيرا مباشرا في الفلسفة الحديثة، ولكنا نلاحظ فقط أن هناك مواطن شبه بين الفلسفتين فلنعمل إذا على توضيحها وبيدنا كتاب (دلالة الحائرين) الذي ألف بلغة الإسلام وفوق أرضه وتحت سمائه؛ ثم نقل إلى أوربا فكان موضع تقدير المفكرين منذ القرن الثالث عشر الميلادي حتى اليوم

إبراهيم مدكور

<<  <  ج:
ص:  >  >>