للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الحياة. وما أذكر مما قرأت لكتاب الغرب انهم شعروا بالأبوة كما شعرت بها أنت مخترقة حجاب الموت لتتجلى عند هدفها الأسمى في عالم الخلود

إن الأدب الغربي يقف بالأبوة عند نهاية الشطر الفاني من الحياة، فهو يرى الأرحام تدفع بالأجنة للقبور لا للأبد، لذلك أردت ألا يفوته ما أتيت به في مقالك الرائع من دعوة هي أقوى ما يتوسل به داع إلى حق الله في تناسل عبادة. وقد ترجمت هذا المقال لا مباهاة بروح الشرق العربية التي تهب من كل سطر فيه فحسب، بل لأنشر أيضاً في الغرب ما استوحته عبقريتك الشرقية من مبادئ الهداية الخالدة

إن هذا الحديث الذي أنطقت به أبا خالد وشيخه أبا ربيعة، لخير ما ابتكرته الآداب العالمية في هذا المطلب، وهذه الرؤى التي تقبض على الروح وترفعها قسراً إلى عالم الخفاء لتبسط من الحق أمام المتطلعين إلى ما وراء المادة ما يشعرون به في قرارة نفوسهم وينكرها عليهم عقلهم المنتبه المحلل الغارق في لجج الزائلات من قوة ومال ودول وجنود وحروب

غير أنني قبل أن أعلق على مقالك بما لا أرى بداً من إيراده بالفرنسية، أجدني مضطراً لإيضاح وجيز لا أراك تضن به، فان في ختام مقالك ما يفسح للفكر مجالاً للذهاب مذاهب تختلف اختلافاً بيناً عند النتيجة التي ترمي إليها

قلت: إن أبا ربيعة وقف في آخر حلمه تمر به طغمة الخالدين وتلقى إليه بكلمة (المشئوم) حتى مر غلام هو آخرهم فقال له: (كنا نرفع عملك في أعمال المجاهدين في سبيل الله، ثم ماتت امرأتك وتحزنت على ما فاتك من القيام بحقها، فرفعنا عملك درجة أخرى، ثم أمرنا الليلة أن نضع عملك مع الخالفين الذين فروا وجبنوا)

فهل لك أيها الأستاذ الكبير أن تأتينا بإيضاح عما رآه الحق تخلفاً وجبنا في أبي ربيعة. فهل استحق هذا الشيخ نعته بالمشئوم لأنه، وقد استهوته عظة رفيقه، إلى على نفسه أن (يحول المرأة التي كانت في قلبه إلى صلاة) فأراد قتل تذكارها بالوفاء لله دون الوفاء لها في قبرها. أم كان ذلك لأنه قرر التبتل بعدها فلا يأخذ من بنات حواء من تقوم مقامها

إن من ينظر إلى حديث الشيخين ويأخذ بما ورد في القصة وفي ختامها ليقف مخيراً محتاراً بين السببين، وليس غير الأستاذ الكبير من يزيل هذا الإبهام فيأتي بمقال عن مسألة

<<  <  ج:
ص:  >  >>