وتسامع الكل به، وترامت إلى ملك الجزيرة اخباره، فشغله انصراف الناس إليه، وافتتانهم به؛ وكان (قاتله الله)، غيوراً رعديداً، فآلى أن يكيد له، ويدبر حيلة يقصيه بها عن طريقه، ليطمئن على نفسه. . . . وعرشه؟
وكان في إحدى الجزر النائية ثلاثة من الجرجون الضارية، وهي أفزع ما جاء في أساطير اليونان، وكل من هذه الجرجون تنين هائل له رأس امرأة، ويدان من النحاس الأصفر الصلب، ذواتا أظافر حادة، تنفذ في أقسى المعادن وأصلبها، وليس لها شعر في رءوسها كما للنساء، بل لها، عوضاً عن الشعر، حيات وأفاع ذات رؤوس مرعبة تنفث السم الزعاف. وقد أوتيت قوة خارقة، لتستطيع إحداها أن تقصم جذع النخلة بضربة ضعيفة من ذنبها الجبار! وليست هذه الجرجون مخيفة بسمها وقوة بنيتها فحسب، بل الأدهى والأمر، هو هذا السر الدفين في عيونها؛ إذ كل من جرؤ على النظر إلى هذه العيون، يتحول في الحال إلى صنم من الحجارة لا يتحرك، ولا يعي!!
وكانت الجرجونة (مديوسا) أفظع أنواع الجرجون جميعاً، ولذا كانت أختاها الأخريان تحترمانها، وتسهران على راحتها ولكن ماذا اعتزم الملك الجبار في كل ذلك؟ لقد دبر أن يغري برسيوس بالذهاب إلى جزيرة الجرجون لقتل (مديوسا) والاياب رأسها كأحسن هدية تقدم إلى ملك. وكان هذا الرجل الخبيث يعلم تمام العلم أن مجرد محاولة الذهاب إلى جزيرة الجرجون هو ضرب من الجنون لا يقدم عليه إلا المأفونون، فان نظرة واحدة من عين مديوسا كفيلة بوضع حد لكل شيء وأرسل الملك إلى برسيوس فمثل بين يديه، وطفق يكيل له المدح جزافاً، ويبالغ في الثناء على ما ترامي إليه من أخباره، وضروب شجاعته التي يتحدث بها الجميع.
وامتلأ برسيوس، الفتى، زهواً، وشاعت في أعطافه الكبرياء، وراح هو بدوره يشكر الملك حلو ثنائه، وجميل إطرائه، فما إن أدرك الملك ما بلغ ثناؤه من قلب برسيوس الغرير، ونفسه الصغيرة، حتى أخبره بما انتدبه له؛ فقبل الفتى المسكين وهو لا يدري ما هي هذه الجرجون، ولا أين الجرجون؟