ويتحسس ظلامه الذي ما ينتهي فلا يظفر بطريق تخرجه إلى صبح الأمل المسفر.
وعلى كتفيه مزق من عباءة بالية قد اتخذها مجنا في عراك الأيام، ولكن يد الريح العابثة تنازعه هذا الستر كلما هبت، فتكشف عن كتفيه، وتلقي بصدره أمواج المطر والبرد.
بينما أخرج السوق بصرت بسائل يبعث أنينا حزينا، وهو متكئ على أحجار تغشاها أوحال. وتحته حصير أبلاه مر الأيام ولا يظله إلا طنف (سبيل) هناك. ولكن صوت الناس لا ينطلق الآن بعيداً، وإنما سمعت عن كثب صدى كنسيس المحتضر.
ليت شعري أكان يزمر لنفسه أم كان يئن؟ لا أحد يسمع له! ولا أحد يقف عنده! ولكن المارة يلقون إليه بنظراتهم ثم تمضي بهم السبل. ومن ذا الذي يصيخ إلى صدى تلفظه المقابر؟ أيها المسكين! وطّن على الموت نفسك! واقطع أنات الشكوى. لا لا. أصخ! قد سمع في الكشكول رنينا مديدا! يا لها نغمة من الرجاء مطربة! يا لها بشرى أستمع لها القلب والأذن معاً.
الماء يخترق الطنف، فينسكب المطر من ثقوبه فيضرب الكشكول البائس! سمع الأعمى الصوت فحسبه نبض الرحمة قد جاشت به قلوب المارة. فمد يده، مدها إلى الكشكول، ولكن هيهات! قد خاب رجاؤه، وكذب ظنه، ارتدت يده المتجمدة من البرد! ارتدت إليه فارغة مبتلة!