للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نطاولكم في القدم ونكاثركم فيما طويناه جميعا من مراحل الأزل، فإن كانت نطفتكم قديمة فلعل بيضنا أقدم، وسنسايركم إن شاء الله على حذاء في مجاهل الأبد، فما دام فيكم الجهل والفقر بقدر كائنا ما كان فرفقتنا لن تنفصم عراها بإذن الله، فالجهل والفقر لابد دائما فيكم دوام الأنانية والفردية بعون ربنا وربكم تقدست أسماؤه.

نعم ربنا وربكم، فإن لنا مكانا في الخليقة مثل مكانكم، فما الخليقة إلا قبائل وبطون وأفخاذ جمعها أصل واحد، وفرقت بينها أجواء مختلفة وبيئات متباينة وحظوظ من العيش متفاوتة، فنحن وكثير من أحياء البحار كالاربيان وأبي جلنبو والجنبري قبيل واحد، ولكنهم اختاروا الماء واخترنا الأرض فكان منا النحل والصرصور والجراد والبق وعدد عديد من الأجناس يبلغ المليونين لم يتعرف علماؤكم منه غير مائتين وخمسين ألف. فقبيلنا نحن أبناء الحشر في قبائل الأحياء أكبر قبيل، وانقسمنا بعد ذلك بطوناً، وانقسمت البطون أفخاذاً حتى بلغ التقسيم إلينا نحن عشائر القمل، ومنا عشائر تعيش على الطير تقرض ريشه، ومنا عشائر تعيش على الحيوان كالكلب والإنسان تمتص دمه. وتستوطن أجسامكم يا سادة الحيوان ثلاثة أجناس منا، جنس يستمرئ جذوعكم وأطرافكم، وهو أكبر الأجناس وأنا المتحدثة إليكم منه، وجنس يحب المسكن الأعلى والمرقب الأسنى فاختار رؤوسكم، وجنس استأثر بمواضع العفة منكم. نحن الثلاثة الأجناس نعيش في كنفكم ووفير كرمكم، نستجدي أجسامكم وهي لا تعرف المنع، ونستحلب دماءكم وعادتها العطاء، فتشكل خلقنا وفقا لهذا العيش اللين والنعمة الميسورة، ففقدنا أجنحتنا لما فقدنا الحاجة إلى التنقل، واشتدت أرجلنا وقصرت لتمسك بشعوركم وتلصق أشد التصاق بجلودكم وبفتائل ثيابكم ومن ذا الذي لا يستمسك بالمرعى الخصيب والرزق القريب، واستحالت أفواهنا فصارت قادرة على الثقب والمص، ولنا قناة هضمية ودورة دموية وجهاز للتنفس وجهاز عصبي، كلها بقدر بساطة حاجاتنا، ولنا عينان كبيرتان في مقدمة رأسنا، والى جانبيهما قرنان نستهدي بهما، ويلي الرأس صدر يحمل من الأرجل ثلاثة أزواج بأطرافها مخالب كالإبر إلا أنها تعرف كيف تترفق في السير عليكم، ويلي الصدر منا بطن كبير هو كل ما بقي منا. وعلى هذا المثال يتقسم الحشر جميعه، وتتراءى بظاهرنا تقاطيع حلقية كأنما ضم خاتم إلى خاتم إلى خاتم، ولا غرابة في هذا فبين قبيلنا وقبيل الديدان وشائج وأرحام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>