ويزهدهم فينا. وكان يثير في نفوس المجددين من أهل الغرب حبا لنا يشوبه العطف والاشفاق، وكنا نضيق ببغض أولئك وحب هؤلاء، ونتمنى لو نقف من أولئك وهؤلاء موقفا طبيعيا لا حرج فيه ولا تكلف ولا ضيق.
كذلك كانت حال كتابنا وشعرائنا في هذا العصر الحديث حين كانوا يريدون التجديد أو يذهبون إليه. ولكن الأمر تغير في هذه الأيام فقويت شخصية الكتاب والشعراء حتى آمنت بنفسها وآمن بها الناس من حولها في الشرق والغرب جميعا، وأصبح كتابنا وشعراؤنا ينشئون النثر ويقرضون الشعر فلا يزور عنهم كثير من المثقفين حقا في الشرق، ولا يرفق بهم أهل الغرب، وإنما يحبهم أولئك فيقرئونهم ويخلصون لهم النصح والنقد والتشجيع، ويقدرهم هؤلاء فيدرسونهم ويقيسون الآماد التي قطعوها في سبيل التجديد والاتصال بالحضارة الغربية والتمكين لهذه الحضارة في بلاد الشرق دون أن تفنى شخصياتهم أو يصيبها الضعف والفتور.
وأغرب من هذا الذي تراه حين نقرأ ما يكتبه (جيب) و (كمفمير) وغيرهما عن كتابنا وشعرائنا، انك تلاحظ في هذه الأيام، أن من أهل الشرق من يتمثلون الغرب حتى كأنهم من أهله فيتحدثون إليه بلغته ويفكرون كما يفكر، ويشعرون كما يشعر، ويشاركونه بهذا في إنتاجه الأدبي الخالص، ويصدرون كتبهم حيث يصدر الغرب نفسهكتبه في لندن أو باريس. وإذا هذه الكتب تصل إلينا من عواصم الغرب فنتلقاها كما كنا نتلقى الكتب الغربية من قبل، وتتناولها صحفنا بما تتناول به كتب الغرب من نقد وتقريظ، وترى بعض أهل الشرق يتمثلون الغرب ويسيغونه ويهضمونه إن صح هذا التعبير، ويذيبونه في أنفسهم، ويغلبون شخصيتهم عليه ويغذون قوميتهم به. ثم يتحدثون إلينا بلغتنا مهذبة، ويفكرون معنا بطرائق تفكيرنا مصفاة، قد أضيفت إلى ثروتها ثروة أخرى فأخصبت وأتت ثمراً نحبه ونستعذبه ونستزيد منه فنلح في الاستزادة.
وكذلك يتصل الشرق بالغرب اتصالا عقليا وفنيا بعد أن كان الاتصال بينهما ماديا تقليديا، وكذلك نتقدم في التجديد خطوات واسعة قيمة مغنية حقا، فنضيف إلى ثروة الغرب كما يضيف الغرب إلى ثروتنا.
وأنا أريد أن أتحدث إليك الآن عن كتابين يمثلان هذه الحال التي وصفتها من الاتصال