إن أكثر هذه المؤلفات ضاع وراح ضحية الإهمال وعدم الاعتناء وأن الموجود منها (وهو القليل) الذي عثر عليه بعض المنقبين والباحثين من الفرنجة بقي سنين عديدة المرجح الوحيد الذي يرجع إليه الملاحون في أوروبا. ولقد بقيت القواعد التي وضعها ابن ماجد من القرن الخامس عشر للميلاد إلى منتصف القرن التاسع عشر منهلا عاما لملاحي الشرق والغرب. وذكر برتن الإنجليزي أن بحارة عدن في سنة ١٨٥٤ كانوا قبل السفر يتلون الفاتحة إكراما لابن ماجد مخترع الإبرة المغناطيسية. ومما لا ريب فيه أن نسبة اختراع بيت الإبرة إلى ابن ماجد خطأ وليس فيه شيء من صحة، فقد ثبت لدى العلماء والباحثين أن استعمال الإبرة كان معروفا في أواخر القرن التاسع للهجرة أو الخامس عشر للميلاد، فالقول بأنه هو مخترع الإبرة غلط، وقد تكون النسبة آتية من مهارته في تسير السفن وبراعته في فن الملاحة ووقوفه على أصول الإبرة وكيفية استعمالها وفهمه المبادئ المنطوي عليها عملها وتأليفه الرسائل فيها.
ولقد ظهر في الأمة العربية كثيرون أمثال ابن ماجد من الذين أتقنوا الملاحة وتسيير السفن وعرفوا عنها شيئا كثيرا، وظهر فيها أيضا من ألف في ذلكالتأليف القيمة التي بقيت قرونا عديدة منبعا يستقي منه الأوربيون، وقد عرفوا كيف يستفيدون منها ويستغلون محتوياتها لما يعود عليهم بالتقدم والرقي، ولو جئنا نعددهم ونذكر خصائص كل منهم لطال بنا المطال، ولخرجنا عن موضوع هذا المقال، ولكنا نكتفي بسرد بعض الربانين والملاحين الذين قطعوا أشواطا بعيدة في علوم البحار وفي وضع الكتب الممتعة عن ذلك. من هؤلاء محمد بن شاذان وسهيل بن أبان وليث بن كهلان وسليمان المهري وعبد العزيز بن أحمد المغربي وموسى القندراني وميمون بن خليل وغيرهم. . .
. . . . . هذه ترجمة موجزة لملاح عربي مهر في الملاحة ونبغ في التأليف وترك آثارا جليلة كانت خير معين للذين أتوا بعده من رباني الشرق والغرب، إذ كانت لهم حلولا لألغاز علم البحار ومفتاحا للاطلاع على أسراره والوقف على دقائقه. ولا ندعي أننا في هذا المقال قمنا بشيء من الواجب نحو ابن ماجد فقد قام بواجبه غيرنا من الفرنجة وقد عرفوا قدره أكثر منا ولم نكن نحن في هذا المقال إلا عالة على بحثوهم ونتاج قرائحهم، وجل قصدنا من هذه الترجمة أن تثير في بعض الذين يعنون بالتاريخ الإسلامي اهتماما يجعلهم يوجهون