للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(أرسطو) عناصر جديدة تقبلها العرب وأخذوا بها. وعلى الجملة (فأرسطو) و (جالينوس) هما الباحثان الإغريقيان اللذان سادا الحركة العلمية الإسلامية واقتسماها فيما بينهما: (أرسطو) في الفلسفة، و (جالينوس) في الطب. على أن الثاني قد عدا في غير موضع على ميدان الأول واصبح العرب يسمونه بحق: (الطبيب الفيلسوف!)

لو وقف المسلمون عند (أرسطو) وكتبه وكتب تلاميذه المشائين، لكانت فلسفتهم مخالفة تمام المخالفة لتلك الفلسفة التي خلفوها. غير أنه لا يصح أن ننسى أن بينهم وبين (رئيس الليسيه) مدرسة الإسكندرية التي أثرت فيهم تأثيراً كبيراً. وان أثرها ليتناسب مع قربها الزمني من الثقافة الإسلامية، واعتناقها آراء أشربت بروح دينية؛ فنظرياتها تعد أول خطوة صادقة في سبيل التوفيق بين الفلسفة والدين. هذا إلى أن (أرسطو) نفسه وصل إلى العرب في ثنايا كتب علماء الإسكندرية وفلاسفتها؛ ذلك لأن هؤلاء الفلاسفة شرحوا النظريات الأرسطية في مؤلفات عديدة ترجم أكثرها إلى العربية. ويمكننا أن نذكر بين هؤلاء الشراح بورفير وتيمستيوس وأمونيوس وسمبليسوس وداود الأرمني ' وجان فيلوبون أو يحي النحوي، الذين كانوا أكثر اتصالاً بالمسلمين من تلاميذ (أرسطو) القريبين منه. ويتكلم (الشهرستاني) عن (بورفير) و (تيمستيوس) في لغة مملوءة بالاحترام ملاحظاً أنهما من أدق الشراح لنظريات (أرسطو) وإن كانا يخلطانها ببعض مبادئ الأفلاطونية الحديثة.

وينقل (الفارابي) بعض آراء (أمونيوس) مستشهداً بها في مواضع مختلفة. وقد تمكن (يحيى النحوي)، بفضل نظريته في خلق العالم ومناقشته لمذهب (أرسطو)، أن ينال حظوة علماء التوحيد المسلمين. وإذا تتبعنا شروح كتب (أرسطو) في المنطق التي ترجمت إلى العربية، وجدنا أغلبها من عمل فلاسفة الإسكندرية. وقد ترجمت هذه الشروح في آن واحد مع المتون التي تتصل بها، وأصبحت غير قابلة للفصل عنها. وليس هذا قاصراً على العلوم المنطقية، بل يتعداها إلى الدراسات الأخرى؛ ففي كل ناحية من نواحي البحث النظري لجأ العرب إلى علماء الإسكندرية ليستعينوا بهم على فهم (أرسطو) ومؤلفاته. وإن نظرة قصيرة إلى كتاب تاريخ الحكماء للقفطي ترينا أن هذه المؤلفات وشروحها التي ألفها علماء الإسكندرية كانت تكون في نظر المسلمين كلا مرتبط الأجزاء. وجملة القول أن مدرسة الإسكندرية بحكم موقعها الجغرافي والتاريخي كانت مهيأة لأن تنشر علومها وكتبها

<<  <  ج:
ص:  >  >>