استقلالها، ويعتدي على حقوق رجالها، وينقل عميد كلية الآداب فيها إلى منصب أخر من غير رأيه ولا علمه. ثم هيمنت على إدارة الجامعة وإرادتها سلطة متجنية كانت تدفع الحق دفعاً عن أهله، حتى انجلت عن السياسة المصرية غشاوة الزيغ وسحابة الباطل، فوجد المظلوم العدل، وابصر التائه الطريق
ولم يكن من السهل حتى في ذلك العهد الذي أنكر الكفاية، وجانب المنطق، أن تظفر الجامعة بخلف للطفي بك، فإن ثقافته الشاملة، وعقليته المنطقية، ونزعته الحرة، وطبيعته المعلمة، وخلقه الفيلسوف، جعلته اصلح الناس لهذا المنصب، وأحزم العلماء بهذا العمل
في الجامعة الأزهرية
كذلك صدر مرسوم ملكي أخر بتعيين صاحب الفضيلة العالم الجليل الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخا للجامع الأزهر. ومسألة الأزهر كانت كمسألة الجامعة عقدة من عقد العهد البائد، فقد رضى فيه شيخ الأزهر المستقيل أن يكون مطية ذلولا من مطاياه تخب في الزور، وتخبط في الباطل، حتى غضب الناس للدين، وضح العلماء للعلم، وثار الطلاب للكرامة، ووفق الله الوزارة القائمة فعالجت هذه الحال بإقصاء الشيخ الظواهري وتعيين الأستاذ المراغي. والأستاذ المراغي من العباقرة الآحاد الذين يفهمون القرآن بالأدب، ويطبقون الدين على الخلق، ويوفقون بين المدنية والفقه، وينهجون في الإصلاح منهج الإمام محمد عبده
وفاة الشيخ عبد المحسن الكاظمي
في يوم الخميس الماضي استعز الله بالشاعر العربي العراقي الكبير الأستاذ عبد المحسن الكاظمي عن سنة عالية وشهرة مستفيضة؛ وهو من الذين ساهموا في نهضة الشعر الحديثة بقسط وافر من السليقة الخالصة، والقريحة الطيعة، والبديهة التي ترتجل القصيدة المطولة عفو الساعة. هبط الأستاذ مصر منذ خمس وثلاثين عاما، فطابت له فيها الإقامة، ولاذ بكنف الإمام محمد عبده، وهو يومئذ موئل العلم والأدب، فظاهر نعمه عليه كما ظاهرها على الشنقيطي وحافظ والمنفلوطي، حتى اتصل سببه وأثمر أدبه في حماه وتحت عينه. ولم يبتغ الكاظمي الوسيلة إلى الحياة إلا بالشعر - والشعر في هذا الزمن رحم قطعاء وأداة