للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يوم آخر. ومن هذه الأيام المريضة المتهالكة، تعد الحياة انتقامها من هذا الحي الذي نقض آيتها وافتات عليها، وجعل نفسه كالإله لا زوجة له ولا صاحبة!

وأيم الله إن الشيطان لا يفرح بالرجل الزاني وبالمرأة الزانية ما يفرح بالرجل العزب والمرأة العزباء؛ لأنه في ذينك رذيلة في أسلوبها، أما في هذين فالشيطان رذيلة في أسلوب الفضيلة. . .! هناك يلم الشيطان ويمضي، وهنا يأتي الشيطان ويقيم!

وقد عشت ما عشت بقلب مغلق وعقل مفتوح؛ وليتني كنت جاهلاً مغلقاً عقله، وكان قلبي مفتوحاً لأفراح هذا الكون العظيم!

ومضت أيامي يضرب بعضها في بعض، ويمرض بعضها بعضاً حتى أنهت منهاها، وجاء اليوم المدنف الهالك الذي سيموت. . .

أصبحت فقلت لنفسي: كم تعيشين ويحك في أحكام جسد مختل لا تصدق أحكامه، وما أنت معه في طبيعتك ولا هو معك في طبيعته؛ ففيم اجتماعكما ألا على بلائي ونكدي؟

لم تصطلحا قط على واجب ولا لذة، ولا حلال ولا حرام؛ فأنتما عدوان لا هم لكليهما إلا إفساد المسرة التي تعرض للأخر. وما أدرى بمن يسخر الشيطان منكما؟ فالعابد الذي يوسوس باللذات يتمنى اقترافها، كالفاجر الذي يواقعها ويقتحمها!

ويحك يا نفس! إني رأيت هذه الدنيا الخرقاء لم تقدم لي إلا رغيفاً وقالت: املأ بهذا بطنك وعقلك وعينيك وأذنيك ومشاعرك. آه آه! ممكن واحد معه أربعة مستحيلات؛ إن هذا لا يلبثني أن يذهب مني بالأربعة التي تمسني على الحياة: الأمل والعقل والأيمان والصبر

لقد استوى في هذه الكآبة صغير همي وكبيره، وما أراني إلا قد أشرفت على الهلكة التي لا باقية لها، فإن وجهي المتكلح المتقبض يدل مني على أعصاب محتضرة تهكتها أمراضها ووساوسها، وإنما وجه الإنسان في قطوبه أو تهلله هو وجهه دنياه تعبس أو تبتسم

وتالله لقد عجزت عن كفاح الدنيا بهذه الأعصاب المريضة الواهنة، فإن حبالة الصيد، صيد الوحش، لا تكون من خيط الإبرة. . .! وأراني أصبحت كإنسان حجري ليس في طبيعته الالتواء إلى يمين الحياة ويسارها؛ ويخيل إلى من صلابتي أني الأسد، ولكني أسد من حجر، لانقرض قوته الفرار منه على أحد!

قال أبو محمد: ورأيت نفسي في هذا الحوار كالميتة، لا تجيب ولا تعترض ولا تنكر؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>