للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يدا أبي لهب وتب. . .)

وطمس الظلام هذه الرؤيا وتغيمت الدنيا، فأيقنت أن آثامي قد أقبلت على ظلمة بعد ظلمة، والتمع شيء أحمر، فنظرت فإذا الدم يتخايل في عيني كأنه شعل تتلوى، فجزعت أشد الجزع، وحسبتها طرائق ممتدة لروحي تذهب بها إلى الجحيم

وماتت كل خواطري بعد ذلك إلا فكرة واحدة بقيت حية تأكل في قلبي أكل النار، وهي: (كيف تجرأت فوضعت بيني وبين الله حمقي؟)

ويقولون: إن أختي قد رأتني أتشحط في دمي فصاحت، وجاء الناس على صوتها، وكان فيهم طبيب، فبعد لأي ما استطاع حبس الدم، واحتال حيلته حتى أسف الجرح دواء وضمده، فجعلت أثوب نفساً بعد نفس، وراجعت قليلاً قليلاً. . .

ثم طافت الحياة على عيني ففتحتهما، فإذا الأشياء تبدو لي وليس فيها حقائق ولا معان، كأنها تتخلق جديدةً تحت بصري، وكأنها خارجة لساعتها من يد الله!

وتماثلت شيئاً بعد ساعات، فأحسست أن نفسي قد رجعت إلى ساخرة مني تقول: كيف رأيت عمل العقل أيها العاقل؟

وبدأت الحياة تتجدد، فأقسمت بيني وبين نفسي أن أجدد إيماني بالله. ولم أكد أفعل حتى أحسست كأن قوة الوجود كلها مستقرة في روحي، وخيل إلى أني أنا وحدي القوي على هذه الأرض قوة جبالها وصخورها، على حين كان جسمي ممدداً كالميت لا يتماسك من الضعف!

فأيقنت حينئذ ما لم أعرفه قط من الدنيا ولم أشعر به قط في الحياة ولم يأتني به علم ولا فكر: أيقنت أنها معجزة الأيمان الجديد الغض، المتصل بالله لتوه كأيمان الأنبياء دون أن تلمسه شهوة، أو تعترضه خاطرة، أو تكدره ذرة واحدة من فكر أرضي دنس

قال المسيب: ثم جلس المتحدث، وكان الناس في آخر كلامه كأنما غادروا الدنيا ساعة ورجعوا إليها على مثل حالته ومثل إيمانه؛ فسكت الأمام ولم يتكلم، ليدع كل نفس تكلم صاحبها

(للمجلس بقية)

(طنطا)

<<  <  ج:
ص:  >  >>