أسرفن في هجري وفي تعذيبي ... وأطلن موقف غربتي ونحيبي
وأبين يوم البين موقف ساعة ... لوداع مشغوف الفؤاد كئيب
لله عهد الظاعنين وغادروا ... قلبي رهين صبابة ووجيب
ولا ريب إن هلاك أسرة المؤرخ كانت عاملاً في إذكاء هذا الألم المعنوي، وهو يحدثنا عن هذه الفاجعة بلهجة الحزن واليأس حين يقول:(فعظم المصاب والجزع ورجح الزهد).
وكان المؤرخ يؤثر حياة العزلة في فترات كثيرة، وهو يشير إلى ذلك في بعض المواطن، حيث يقول لنا انه:(لزم كسر البيت ممتعاً بالعافية لابساً برد العزلة). وتشير التراجم المصرية إلى هذه العزلة فيقول لنا السخاوي:(ولازمه (أي المؤرخ) كثيرون في بعض عزلاته، فحسن خلقه معهم وباسطهم ومازحهم). وكان المؤرخ يشتغل في هذه الفترات بمراسلة أصدقائه بالمغرب والأندلس من السلاطين والأمراء والفقهاء، وهو يشير إلى ذلك في عدة مواضع.
وقد يكون من الشائق أن نعرف أين كان يقيم المؤرخ بالقاهرة، ولدينا عن ذلك نصان نقلهما ابن حجر عن الجمال البشبيشي ويقول الجمال في أولهما (انه كان يوماً بالقرب من الصالحية فرأى ابن خلدون وهو يريد التوجه إلى منزله وبعض نوابه أمامه. . .)(فيلوح من هذه الإشارة إن المؤرخ كان يقيم مدى حين على مقربة من الصالحية في الحي الذي تقع فيه هذه المدرسة اعني حي بين القصرين أو في أحد الأحياء القريبة منه، وذلك لأن مركز وظيفته كقاض للقضاة كان بهذه المدرسة ولأن إيوان الفقهاء المالكية كان يقع بجوارها. وأما في النص الثاني فيقول لنا الجمال ما يأتي مشيراً إلى ولاية ابن خلدون للقضاء عقب عوده من دمشق سنة ثلاث وثمإنمائة (إلا انه (أي ابن خلدون) تبسط بالسكن على البحر واكثر من سماع المطربات. . . الخ) ويستفاد من ذلك إن المؤرخ كان يقيم في هذا الحين في أحد الأحياء الواقعة على النيل ولعله جزيرة الروضة أو لعله بالضفة المقابلة من الفسطاط، حيث كانت لا تزال بقية من الأحياء الرفيعة التي قامت هنالك مذ خطت الروضة وعمرت وصارت منزل البلاط في أواسط القرن السابع، وسكن الكبراء والسراة في الضفة المقابلة لها من الفسطاط. ويرجح هذا الفرض إن المدرسة القمحية التي كان