مناطقها الأثرية؛ ومصر هي التي تسلم إدارة مصلحة الآثار والمتاحف المصرية إلى الأجانب، وهي التي لا تسمح لأولئك الأجانب بأن يعتقدوا أن هذا الأشراف على آثارنا ميراث لهم يدخل في منطقة نفوذهم وحقوقهم في بلادنا.
لقد وقعت حوادث مثيرة في انتهاب الآثار المصرية كانت حرية أن تنبه الحكومة المصرية إلى خطورة هذا التقصير المؤلم؛ منها حادث تمثال الملكة نفرتيتي الذي يعتبر اجمل قطعة آثار في مصر القديمة، والذي استطاع عالم ألماني أن يستلبه بوسائل غير شريفة مازالت وصمة في جبين العلم الألماني؛ ومنها حادث أوراق البردي التي وجدت منذ أعوام في الفيوم وتسربت إلى متحف برلين ووجد أنها من انفس ما وجد من أوراق البردي القديمة، لأنها تحتوي على نصوص كاملة لبعض كتب ماني الفيلسوف الفارسي وصاحب المذهب المشهور؛ ومنها حادث أوراق البردي الأخيرة التي ظهرت في لندن؛ ومنها كثير غير ذلك مما لم يذع أمره.
كل ذلك ونحن سكوت؛ نشهد هذا الانتهاب لآثارنا تحت ستار العلم والبحث لا ساخطين، ولكن مستسلمين؛ وإذا اهتمت حكومتنا فكل مظاهر اهتمامها أن تدعو لجنة الآثار لبحث الأمر، كما فعلت أخيرا؛ ثم يطوى أمر اللجنة وأمر الآثار.
الواقع أنها مأساة، ومأساة أليمة لا تحتمل السكوت بعد؛ فإذا كانت مصر تحرص على آثارها حقا، وإذا كانت تريد أن تعتبر بالحوادث وأن تعمل لصون تراثها الاثري، فعليها أن تبادر قبل كل شيء إلى إلغاء هذه اللائحة الأثرية العتيقة التي تنص على اقتسام الآثار، وهو نص لا نظن له نظيرا في أي بلد متمدين يحرص على تراثه القومي، وان تستبدل بها لائحة جديدة تناسب روح العصر، وتكفل نصوصها المشددة صون الآثار المكتشفة وبقائها في مواطنها؛ وعليها بالأخص أن تحرم المباحث الأثرية على البعثات الأجنبية بعد أن أثبتت الحوادث منذ نصف قرن أن هذه البعثات هي أساس الشر، وأنها لم ترع حقوق الأمانة التي ألقيت إليها؛ ولتكن المباحث الأثرية في المستقبل مهمة حكومية أو مهمة جامعية تتولاها الحكومة أو الجامعة المصرية بمعاونة بعض الخبراء الأجانب الذين يعملون بإشراف الحكومة مدى حين، حتى يجيء الوقت الذي يستطيع الأخصائيون المصريون فيه أن يستأثروا بالبحث عن كنوز بلادهم، وهو فيما نعتقد غير بعيد.