عاداتنا وتقاليدنا، صعبة التمييز وكثيرا ما بدت بمظهر الشيء المعقول والمسلم به. ولكن مما لاشك فيه أن الفكر الإنساني تبرأ من خرافات كثيرة كان يرزح تحت نيرها آباؤنا الأقدمون. وكلما بسط العلم نفوذه بدد غياهب هذه الترهات والأباطيل، فهو من الخرافة كالنور من الظلمة بكشف دخيلها وبين ما اشتعلت عليه من خطر وأضرار. ومع هذا يخيل إلينا أنه لن يتمكن من انتزاع جرثومتها والقضاء عليها تماما، وستبقى الخرافة ما بقى الإنسان لتسد حاجة من حاجاته النفسية والاجتماعية.
وها هي ذي خرافة تفنى لتحل محلها خرافة أخرى، فلئن بادت الخرافات الوحشية لقد أعقبها خرافات حضرية. على أنه ليس ثمت ضير - على ما يظهر - في أن تتعلق أمة من الأمم بقدر محدود من الخرافات، فإن فشت الخرافة وسدت طريق التفكير والحكم الصحيح فهنا الداء القاتل والخطر المحدق.
وكأني بهذه الحال تنطبق تماما على ما يعانيه بلدنا اليوم. فنحن فريسة للخرافة في طعامنا وشرابنا، في ملبسنا ومسكننا، في حركاتنا وسكناتنا، في مختلف عاداتنا وتقاليدنا، بل وفي آرائنا ومعتقداتنا، وكثيرا ما وقفت الخرافة عقبة كأداء في طريق تقدمنا العقلي والجسمي، والخلقي والاجتماعي. وفي رأينا أن خرافاتنا المتفشية ترجع إلى أسباب كثيرة أهمها:
(١) طريقة الوعظ والإرشاد والتربية الدينية الفاسدة، (٢) حياة القهر والاستبداد، (٣) الفقر، (٤) والجهل. لقد سلكت طائفة من وعاظنا مسلكاً خاطئاً للغاية، وأرسلت لنفسها العنان - طمعا في الترغيب أو الترهيب - في سرد خرافات يأباها العقل والدين، وخاصة ما اتصل منها بالحشر والنشر واليوم الآخر وعمدتها في ذلك مجموعة ضارة من كتب القصص والتفسير المملوءة بالإسرائيليات والآثار الضعيفة أو المكذوبة. وكأن علم هؤلاء الوعاظ خرافة كله، أو كأنهم يحيون على حساب الخرافة فهم يثبتون دعائهما ويبالغون في نشرها. وليست حياة القهر والاستبداد بأقل آثراً في نشر الخرافة من هذا الوعظ الفاسد، فالمغلوب على أمره يبحث عن قوى خفية يزعم أنها تعينه على التخلص مما هو فيه. كذلك تمني الخرافة الفقراء بأحلام ذهبية وآمال خلابة، وتسبغ عليهم من الخيال ما عجزت الحقيقة عن الوفاء به. ويحرم الجهل أخيرا عامة الناس من أن يفتحوا أعينهم للضياء، وقلوبهم للرجاء، لذلك كانت الخرافة والجهل نوعين متلازمين، وأخوين لا ينفصلان، وقديماً قالوا: الخرافة