يا شامُ لولا ضحايا جِدُّ غاليَةٍ ... زانَتْ بِطاحَكِ من شِيبٍ وشُبَّان
لولا ثَرًى طَيِّبُ كالمِسكِ تُرْبتُهُ ... جرتْ عليهِ دماهُمْ مثلَ غُدْران
لَسِرتُ عنكِ إلى أرضِ النبي هوًى ... أليس كلُّ بلادِ العُرْبِ أوطاني؟
لكن أأنسى بلادي وَهْيَ داميةُ ... تَئِنُّ من عَسفِ أعلاجٍ وَذؤبان
حسبي فَخارا وحسبي عِزّةً وَطَنُ ... في كلِّ شِبْرٍ بهِ أشلاءُ قُربان
يا فتَيةَ العُرْب والإسلامِ قاطِبَةً ... كونوا على النصْرِ طُرا خير أعوان
دعوا التخاذُلَ إنّا كلَّنا عرَبُ ... هل نابنا منه إلا كلُّ خذلان؟
ماذا تُرَجُّونَ من دُنياكُمُ فِرَقاً ... مصَفًّدينَ بها أشْبَاهَ عبدان
تِلْكُمْ جزيرتُكُم يا عُرْبُ باسِمةُ ... ترْنو إليكمْ وتحنو أي تحنان
سيروا إليها نُعيدُ البَعثَ ثانيةً ... ونملأَُ الأرضَ من عدلٍ وعُمْران
أليس مِنّا الأولى قادوا جَحَافِلَهُمْ ... وأخضعوا الأرضَ من فُرْسٍ ورومان
مشوْا لنصرِهُم والأرضُ تحتهمُ ... فرحى تمايَلُ تِيهاً مثل نَشوان
ساسوا الأنامَ بعدلٍ غير ذي وهَنٍ ... وأنطَقوا الدهرَ من بِرٍ وإحسان
شادوا على جبْهِة الدنيا عروشهمُ ... ولو أرادوا بَنْوها فوقَ كيوان
تباركَ المُلْكُ في (الفَيْحاَءِ) منبسطاً ... لا الملك دامَ ولا أسادُ مروانِ
تباركَ العرشُ في (بغْدانَ) مزدَهِراً ... يا أرضُ أين تولَّى عرشُ (بغدان)
يا ليت شعري أطيْفُ ذاك مرَّ علي ... وجهِ البسيطةِ أم أحلامُ وَسُناَن؟!
أرضَ النُبُوّة، والأيامُ جاهِمَةُ ... ماذا أُردَّدُ من بثِّي وأشجاني
دارَ الزمانُ، وللأزمانِ دورتُها، ... والدهرُ - مُذْ كان هذا الدهر - يومان
فلا (الوليدُ) وعرشُ الشامِ مبتسم ... يشيدُ لْلمجْدِ فيها خيرَ بٌنيان
ولا (الرشيدُ) على بغدانَ في يدهِ ... دهرٌ يُصرَّفُهُ كالموثَقِ العاني
يا دهرُ ويحَكَ! رُدَّ العرشَ ثانيةً ... فكم عروشٍ مَلَكناها وتيجان
لنا نفوسٌ أبيّاتٌ تُهَيَّجُها ... ذكرى جدودٍ كنُورِ الشمس غُران
يشُوقُها المجدُ وضّاَء بقُرطُبةٍ ... والعزّ منبسطاً في ظِلّ (بْغدان)
أراجعٌ أنت ذَيّاكَ الزمانِ لنا ... أم لا رُجوعَ لأيام وأزْمان