للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا تغير الناس في الحالة بعد الحالة، قالت في الحبيب: إلا هو. . .!

إذا انكشف سر كل شيء، قالت: إلا المعشوق؛ إلا هذا المحجب بأسرار القلب. . .!

ولما رأيتها أول مرة ولمسني الحب لمسة ساحر، جلست إليها أتأملها وأحتسي من جمالها ذلك الضياء المسكر الذي تعربد له الروح عربدة كلها وقار ظاهر. . . فرأيتني يومئذ في حالة كغشية الوحي، فوقها الآدمية ساكنة، وتحتها تيار الملائكة يعّب ويجري

وكنت ألقي خواطر كثيرة، جعلت كل شيء منها ومما حولها يتكلم في نفسي، كأن الحياة قد ضاقت وازدحمت في ذلك الموضع الذي تجلس فيه، فما شيء يمر به إلى مسته فجعلته حياً يرتعش، حتى الكلمات

وشعرت أول ما شعرت أن الهواء الذي تتنفس فيه يرق رقة نسيم السحر، كأنما انخدع بها فحسب وجهها نور الفجر!

وأحسست في المكان قوة عجيبة في قدرتها على الجذب، جعلتني مبعثراً حول هذه الفتانة. كأنها محدودة بي من كل جهة

وخيل إلي أن النواميس الطبيعية قد اختلت في جسمي إما بزيادة وإما بنقص؛ فأنا لذلك أعظم أمامها مرة، وأصغر مرة

وظننت أن هذه الجميلة إن هي إلا صورة من الوجود النسائي الشاذ، وقع فيها تنقيح إلهي لتظهر للدنيا كيف كان جمال حواء في الجنة

ورأيت هذا الحسن الفاتن يشعرني بأنه فوق الحسن، لأنه فيها هي، وأنه فوق الجمال والنضرة والمرح، لأن الله وضعه في هذا السرور الحي المخلوق امرأة

والتمست في محاسنها عيباً، فبعد الجهد قلت مع الشاعر:

(إذا عبتها شبهتها البدر طالعاً. . .!)

ورأيتها تضحك الضحك المستحي؛ فيخرج من فمها الجميل كأنما هو شاعر أنه تجرأ على قانون. . .

وتبسم ابتسامات تقول كل منها للجالسين: أنظروها! أنظروها. . .!

ويغمرها ضحك العين والوجه والفم، وضحك الجسم أيضاً باهتزازه وترجرحه في حركات كأنما يبسم بعضها ويقهقه بعضها. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>