ومنذ عصر مينليك، أي منذ خمسين عاماً، تغيرت في العالم وفي الحبشة نفسها أمور كثيرة. فدخلت أفريقيا كلها في تيارات التجارة العالمية الكبرى، وصحب ذلك كل ما يلزم من الضرورات والآراء الجديدة. فالسيارات والطيارات زادت في طرق المواصلات، ولم تعد هناك قوة إنسانية نستطيع أن تطيل تلك العزلة التي ملكت الحبشة عدة قرون، إذ كان لزاماً عليها أن تستعد لتأخذ مكانها بين سائر الشعوب. وكل ما في المسألة هو معرفة ما إذا كانت تستطيع ذلك بمفردها مستعينة بوسائلها الخاصة، أم هي - نظراً لشدة شبهها بمراكش - في حاجة إلى دولة تحميها
إن استقلال كل دولة من الدول يقف من جهة على الدولة نفسها، ومن جهة أخرى على الدول المجاورة. ولقد كان لينليك الحظ في استطاعته الاستفادة من المنافسات الاستعمارية في الوقت الذي كان يوجد فيه كثير من الأراضي الأفريقية القابلة للاستعمار. والآن انتهى التقسيم. وبدلا من البحث في هذه لم يبق إلا الابتداء في استغلال الحبشة. ويضاف إلى ما سبق أن المنافسات على هذه البلاد يلوح عليها الهدوء، وأن الاتفاق بين الدول المتنافسة محتمل الوقوع. ومن هنا يعظم الخطر على الحبشة
وهذا الخطر الأجنبي يجعل المهمة الواجب القيام بها فيما يتعلق بالسياسة الداخلية تفوق قدرة رجل فرد مهما كان نابغاً. إن من الواجب إزالة الفوارق القائمة بين المدينة البدائية الدينية الساذجة والمدنية الغربية المادية. والواقع أن الحياة في الحبشة قد تطورت، إذ من العسير أن يعيش شعب بأكمله عيشة الزهد والتقشف. ومن المحال إقامة روابط طبيعية دائمة بين الأفراد والجماعات من غير وجود مبادئ مشتركة بين الجميع. من الحق أن المدنية الغربية تتضمن كثيراً من الرياء، فالرق على شكله الذي نراه في الحبشة ليس أفظع من العمل الذليل في الصناعة الكبرى، إلا أن في الحبشة نظماً معينة هي تراث الماضي العتيق يجب أن تختفي من الوجود. وسواء دخلت الحبشة عصبة الأمم أم لا فهي لا تستطيع في العالم الحديث الإبقاء على قانون التعذيب وعلى السطو والنهب والرق. على أن المرء يتساءل: على أية قوة منظمة يستطيع أن يستند ملك عظيم للقيام على خير ما يرام بالإصلاحات الضرورية إذا كان السكان لا يشعرون بالحاجة إليها قبله؟ إن رجال الطبقات العليا الذين يملكون الأرض والسلطة لا يرغبون في تغيير يظنون أنه سيفقدهم كل