للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإسلامية، واستظهار آثارها، وبصفة خاصة ما كان متعلقاً منها بدولة العرب في الأندلس، والوقوف على سر عظمتها، وتطورها بين صعود ونزول، وكيف عبثت يد الزمان بتلكم الآثار الحافلة التي خلدها العرب في أوربا

شب الفتى، خصب الفكر، متقد الذهن، واسع الذاكرة. يتقلب في فنون من الحديث، ويحلق في جو رائع من الخيال. ينتقل بين قصور قرطبة ومغانيها، ويقلب نظره الحائر في بدائع الحمراء ومجاليها، ثم يعود فيسترحم القدر إشفاقاً على مجالس أدبها الممتعة ونواديها

وقد حدثته نفسه الطموح إلى مشاهدة آثار الفن الأندلسي الجميل بالذهاب إلى (فاس) وريثة الحضارة الأندلسية، ورؤية هذه الآثار عن كثب، إذ هي صورة مصغرة من الحياة الأندلسية، بما فيها من مبان وآثار، ومجالس علمية وأدبية تضم أئمة الأدب وفطاحل العلم. فقصد فاس سنة ١٠٠٩ وملأ بها وطابه، وأخذ عن جلة العلماء كالشيخ القطار، وابن أبي النعيم، وأحمد بابا السوداني التمبكتي وغيرهم؛ وأقام بفاس ميمون الحظ بين مظاهر الإجلال والاحترام إلى أن صار مفتى فاس وخطيب (جامعة القرويين)؛ ثم رحل إلى مصر والشام، وتردد على الحجاز كثيراً، وألف بالقاهرة كتابه (نفح الطيب). وله مطارحات ومساجلات مع أدباء مصر والشام

- ٣ -

آثاره الأدبية: أبو العباس المقري متشعب النواحي كثير المباحث لمن شاء دراسته. له آثار قيمة في الفقه والكلام والأدب والتاريخ، وشعر متناثر في ثنايا كتابيه الجليلين: (نفح الطيب، من غص الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب) و (أزهار الرياض، في أخبار القاضي عياض)

وقد قصرنا هذا البحث على الناحية الأدبية، إذ كانت هي البارزة في حياته، فهو (حافظ المغرب وجاحظ البيان) شاعر رقيق العاطفة، يصطبغ شعره بلون الأدب الأندلسي في الرقة والجزالة، والسهولة والامتناع

ولا بدع، إذا وجدنا ذلك الطابع بارزاً في آثاره الأدبية، فقد رأيناه كلفاً بالفن الأندلسي وآثار العرب في الأندلس منذ النشأة إلى حد التوهم أنه كان يعيش في ذلك الوسط الخصب المشبوب العاطفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>