للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن المعجزة أن هذه الفتاة صارت مدرسة، أو مفتشة، أو ناظرة في وزارة المعارف؛ أو مؤلفة كتب وروايات، أو محررة في صحيفة من الصحف. ولا يصغرن عندك شأن هذه المعجزة فهي والله معجزة مادام يتحقق بها خروج الفتاة من حكم الطبيعة عليها وبقاؤها في الاجتماع المصري امرأة بلا تأنيث، أو انقلابها فيه رجلا بلا تذكير! وكيف لا يكون من المعجزات أن تأليف رواية قد أغنى عن تأليف أسرة؛ وان فتاة تعيش وتموت ما ولدت للأمة ألا مقالات. . .؟

فقلت: يا صاحبي، دع هؤلاء وخذ الآن في حديث الطائشة الخارجة على التقاليد، وقد قلت إنها عرضت لك كما يعرض المصارع للمصارع. قال: عرضت لي تريد أن تصرفني كيف شاءت، فنبوت في يدها؛ فزادت إلى رغبتها إصرارها على هذه الرغبة، فالتويت عليها؛ فزادت أليهما خشية اليأس والخيبة، فتعسرت معها؛ فزادت إلى هذه كلها ثورة كبريائها، فلم أتسهل؛ فأنهت من كل ذلك بعد الرغبة الخيالية التي هي أول العبث والدلال، إلى الرغبة الحقيقية التي هي أول الحب والهوى: رغبة تعذيبي بها لأنها متعذبة بي.

ثم ردتها الطبيعة صاغرة إلى حقائقها السلبية، فإذا الكبرياء فيها إنما كانت خضوعا يتراءى بالعصيان، وإذا الرغبة في تعذيب الرجل إنما كانت التماسا لأن تنعم به، وإذا الإصرار على إخضاع الرجل وإذلاله إنما كان إصرارا على تجرئته ودفعه أن يستبد ويملك. وردتها الطبيعة إلى هذه الحقيقة النسوية الصريحة التي بنيت المرأة عليها شاءت أم أبت وهي أن تعاني وتصبر على ما تعاني!

أما أنا فأحببتها حباً عقلياً، وكان هذا يشتد عليها، لأنه إشفاق لا حب؛ وكانت إذا سألتني عن أمر ترتاب فيه قالت: اجبني بلسان الصدق لا بلسان الشفقة. وكانت تقول: إن في عينيها بكاء لا تستطيع أن تذيله مع الدمع، وسيقتلها هذا البكاء الذي لا يبكى، وقد اتخذت لها في دارها خلوة سمتها: محراب الدمع! قالت: لأنها تبكي فيها بكاء صلاة وحب، لا بكاء حب فقط! ثم طاشت الطيشة الكبرى. . .!

قلت: وما الطيشة الكبرى؟

قال: إنها كتبت ألي هذه الرسالة:

(عزيزي رغم أنفي). . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>