التي كتبت عن لوكريسيا بمختلف اللغات، وكلها نماذج للخيال المغرق والقصص المثيرة
بيد أننا نرى في عصرنا مؤرخاً بارعاً هو العلامة الفرنسي فرانز فونك برنتانو، يحاول في كتابه الذي أشرنا إليه من قبل اكثر من مرة أن ينتزع شخصية لوكريسيا بورجيا من تلك الغمر المروعة التي أحاطت بسيرتها، وان يمحص تلك الروايات المغرقة التي امتزجت بحياتها، وان يرد كثيراً من التهم التي نسبت إليها
وفي رأي هذا المؤرخ البارع، الذي يدعم عرضه في معظم الأحيان بمنطق خلاب، أن التاريخ قد ظلم لوكريسيا أشنع ظلم، وان هذه الفتاة التي صورتها الروايات المعاصرة بغياً فاجرة، لم تكن سوى ضحية وأداة ذلول في يد أبيها وأخيها، وأنها كانت تدفع دفعاً إلى مشاطرة هذه الحياة المثيرة التي كانت تنتظم في قصر الفاتيكان، ولكنه يرد عنها تهم الفجور الشنيعة التي نسبت إليها؛ ولاسيما تهمة عشرة أبيها وأخيها، ويرتاب في أقوال بور كارت وغيره من الرواة المعاصرين، ويرى أن هذه التهم ترجع في الأصل إلى الحملة القاذفة التي شهرها جان سفورزا زوج لوكريسيا الأول عليها انتقاماً لفصله منها، والى الحملات القاذفة التي دبرت أيضا ضدها وضد آلها في بلاط نابل على اثر مقتل زوجها الثاني الفونسو الأرجوني، وهي حملات ظهر أثرها في نظم الشعراء المعاصرين الذين يغذيهم بلاط نابل
ويصور لنا برنتانو لوكريسيا فتاة ناعمة وافرة السحر والرقة، وافرة الذكاء والحزم، ويصورها لنا في فيرارا أميرة رفيعة الخلال تحمي الأدب والفنون، ويكاد يصورها لنا في أعوامها الأخيرة قديسة فياضة الورع والتقوى
وكتاب برنتانو قطعة بديعة من التدليل التاريخي، وقد يدفع بدقة منطقه كثيراً من التهم التي نسبت إلى ابنة اسكندر السادس؛ ولكنه مع ذلك لم يستطع أن يهدم كثيراً من العناصر الأساسية التي تمثل في هذا الاتهام
ومع إننا بالرغم من محاولة برنتانو البديعة، مازلنا نؤثر ناحية الاتهام في سيرة لوكريسيا بورجيا، فأنا نميل مع برنتانو إلى الاعتقاد بأن كثيراً من الإغراق والمبالغة يشوب تلك الصور المروعة الآثمة التي تركتها لنا سير العصر، عن تلك الشخصية الباهرة المظلمة معاً