للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شمس الدين أبو الخير السخاوي؛ ولما بلغ الرابعة من عمره تحولت أسرته إلى منزل جديد في نفس الحي اشتراه أبوه؛ وكان موقعه بجوار دار علامة العصر الحافظ ابن حجر العسقلاني؛ وكان لهذا الجوار أكبر أثر في حياة السخاوي، كما سنرى. وأنفق السخاوي بضعة أعوام في المكتب وحفظ القرآن؛ ثم أخذ يطوف بأشياخ العصر يتلقى عنهم مختلف العلوم والفنون؛ ودرس النحو والعروض واللغة والفقه والحساب والميقات والأصول والبيان والتفسير والمنطق؛ وهنا يعدد لنا السخاوي ثبت أساتذته وما أخذه عن كل منهم، وما درسه من مختلف الكتب؛ وتجلت مواهبه ومقدرته بسرعة مدهشة؛ وأجاز له الكثيرون من شيوخه، بل أجازوا له الإفتاء ولما يبلغ العشرين بعد

وقد كان ابن حجر في مقدمة أساتذته؛ وكان ذلك الجوار الذي رتبته ظروف الحياة مبعث هذه الصلة الوثيقة التي استمرت مدى الحياة بين الأستاذ وتلميذه، والتي بثت غير بعيد إلى نفس الفتى نوعاً من العبادة الروحية لهذا الذي كان يعتبر يومئذ إمام الأئمة وقطب العلماء والباحثين. والواقع إن ابن حجر كان يتبوأ يومئذ مركز الزاعمة العلمية في مصر الإسلامية، وكان في ذروة نضجه ومجده، وقد انتهت إليه الرياسة في معظم علوم العصر، ولا سيما الحديث والشريعة. وكان بدء اتصال السخاوي بأستاذه في سنة ٨٣٨هـ، أعني وهو طفل لم يجاوز الثامنة؛ وكان يذهب مع أبيه ليلاً إلى مجالس الشيخ فيستمع إلى دروسه في الحديث. ويصف لنا السخاوي علاقته بأستاذه في عبارات مؤثرة تنم عما كان لهذه العلاقة من عظيم الأثر في تكوينه فيقول متحدثاً عن نفسه: (وقبل ذلك كله سمع مع والده ليلاً الكثير من الحديث على شيخه إمام الأئمة الشهاب ابن حجر، فكان أول ما وقف عليه من ذلك في سنة ثمان وثلاثين، وأوقع الله في قلبه محبته، فلازم مجلسه، وعادت عليه بركته في هذا الشأن. وأقبل عليه بكليته إقبالاً يزيد على الوصف بحيث تقلل ما عداه. . . وداوم الملازمة لشيخه حتى حمل عنه علماً جماً، واختص به كثيراً بحيث كان من أكثر الآخذين عنه؛ وأعانه على ذلك قرب منزله منه، فكان لا يفوته مما يقرأ عليه إلا النادر. . . وينفرد عن سائر الجماعة بأشياء. وعلم شدّة حرصه على ذلك فكان يرسل خلفه أحياناً بعض خدمه لمنزله؛ يأمره للمجيء للقراءة)

وهنا يفيض السخاوي في ذكر الكتب والمتون التي قرأها ودرسها على شيخه ابن حجر،

<<  <  ج:
ص:  >  >>