فقال: ليس بنا من حاجة إلى برهان آخر، إذ لو كان الخالد - وهو سر مدى - عرضة للفناء، للزم ألا يستحيل الفناء على شيء
فأجاب سقراط: نعم، فكل الناس مسلّون بأن الفناء مستحيل على الله وعلى صورة الحياة الروحية وعلى الخالد بصفة عامة
قال: نعم، كل الناس بذلك مسلمون - هذا صحيح، وأكثر من هذا، فهم مجمعون - إن لم أكن مخطئاً - على أن الآلهة كالناس في ذلك
- وإذن فما دمنا قد رأينا أن الخالد لا يناله التخريب، أفلا يلزم أن تكون الروح مستعصية على الفناء كذلك - ما دامت خالدة؟
بكل تأكيد
- إذن فحين يهاجم الموت إنساناً، فقد يتعرض الجزء الفاني منه للموت، أما الخالد فينأى عن طريق الموت حين يحفظ مصوناً سليماً؟
- حقاً
إذن يا سيبيس فالروح خالدة بغير شك، وهي مستعصية على الفناء، وستحيا أرواحنا حقاً في عالم آخر!
فقال سيبيس: إني مقتنع يا سقراط، وليس لدي بعد ذلك ما اعتراض عليه. فإن كان عند صديقي سمياس، أو عند أحد سواء اعتراض آخر، فيجمل به ألا يلتزم الصمت وأن يعلنه. اللهم إن كان لديه شيء يريد أن يدلي به، أو كان يود لو أدلى به، فلست أرى أن يجود عليه الدهر بأنسب من هذه اللحظة، حتى يجوز له أن يرجئ إليه الحديث
فأجاب سمياس: ولكن ليس عندي ما أقوله بعد ذلك، بل لست أرى مجالا للشك، إلا ما ينشا حتماً عن ضخامة الموضوع وضعف الإنسان، فذلك ما لم يسعني إلا أن أشعر به
فأجاب سقراط: نعم يا سمياس فقد أحسنت قولاً: أضف إلى ذلك أن المبادئ الأولى يجب أن تبسط للبحث الدقيق حتى وإن كانت تبدو يقيناً، فإذا ما استوثقنا منها وثوقاً مرضياً، استطعنا بعدئذ، فيما أضن، في شيء من الإيمان المزعزع بالعقل البشري، أن نتتبّع مجرى البرهان، فإن ألقيناه واضحاً لم يكن بنا بعد ذلك حاجة لسؤال