- يشعر القارئ لكتاب (سلمى وقريتها) بأن مؤلفته أرادت أن تصور لبنان تصويرا شاملا. فهي ترسم الجبال شامخات عاربات يلمع الثلج فوق هاماتها. وتنحدر الوديان من حولها وهادا سحيقة. ومروجا خضراء، وتتناثر القرى في سفوحها وفي أحضانها وربما تسامت إلى ذؤاباتها، والينابيع تتدفق عن يمين وشمال بالعذب النمير والكروم والأشجار تجتمع جنات الفافا، وتفترق ألواناً وأصنافاً.
وتصف السيدة حياة القوم حين يجمعهم الشتاء أسارى، وحين يطلقهم الصيف احرارا، وتذكر أمرهم في بيوتهم، وحالهم في مزارعهم، وشأنهم في مجامعهم، وتنعت ما يأكلون وما يشربون وما يقولون وما يفعلون، وتمثل أفراحهم وأحزانهم، وجدهم ولعبهم، ورقصهم وغنائهم، وعشقهم وغزلهم، ولا تهمل شعائر الدين فيهم كل ذلك في أسلوب بسيط إن خلا من زينة الصنعة فهو لا يخلو من جمال السهولة والوضوح.
وفي الكتاب لمحات بسيكولوجية، وقصة سلمى نفسها مملوءة من هذه اللمحات التي تكشف عن معان نفسانية.
فإيثار سلمى لجميل فارس بالعشق ملحوظ فيه انه وريث وجاهة وغنى، وقد حسبته انصرف عنها بعد أن تلهى بمغازلتها، فثارت في نفسها للكرامة حمية بددها الغرام بابن السادة الأغنياء. وأبو سلمى عرف أن ابنته العذراء قد فتنها جميل، وتهامس أهل القرية بما بينهما فلم تخرجه الغيرة عن حدود الرزانة والحلم وزوج سلمى حين سمع حليلته تهتف في سكرات الموت باسم عشيقها، صدمه ذلك ففار فورة ثم انطفأ وعاد يريق دمعه عند أقدام سلمى.
أما أم سلمى فقد جعلتها مدام خير مثال الزوجة البرة الصالحة والأم الحكيمة الرحيمة.
ويوشك أن يكون أروع ما في (لبنان مدام خير) بعد منابع المياه ومزة العرقي هي أم سلمى.
وكان ذلك نهاية السمر بين القوم فتفرقوا مجمعين على أن (آمي خير) قد وصفت لبنان وأهل لبنان في كتاب (سلمى وقريتها) وصفا فيه روعة الدقة ولطف الملاحظة وحسن البيان.