أشد كوارثها، ولتغمرني في الفقر والمرض حتى مغرقي، ولتمنحني جزءاً من فضيلة واحدة، ثم لتفعم نفسي بما شاءت من رذائل وآثام. . . فأنا راض. راض بالنقص الذي لا اعتبره نقصا. انه قوتي. وإنما الكون قد أوجدني لأسعى إلى الكمال لا لأبلغه).
وهكذا تلمح في هذه الصفحات النفس الثائرة الطامحة. يحدوها الرجاء حينا ويردها اليأس أحيانا، ولكنها لا ترتد ولا تهزم.
ويتابع الأستاذ إبراهيم المصري هذا الأسلوب، في رسائله الأخرى، حين يعطينا صورا لحياة عظماء عرفوا الشقاء وعرفوا الياس، ولكنهم ظلوا يعملون في عزيمة وصبر، كي يضيفوا إلى تراث الإنسانية شيئا خالدا. . . فهو يتكلم عن بروست وبودلير وميكائيل انجلو، وبيرون، مصورا لك حياتهم أو جانب منها، تصويرا دقيقا هو خلاصة لاطلاع واسع.
(ميم)
لم يستطيع صديقي (ميم) الذي كلفته نقد (الفكر والعالم) أن يطالع وينقد القطعة التمثيلية، التي تحتل النصف الثاني من الكتاب. وليس هنا مقام الأسف على الظروف التي اضطرت المؤلف أن يطبع الكتابين في كتاب واحد، وألا يستطيع أن يبرزهما للقراء في شكل جميل يليق بكل منهما. أما الرواية التمثيلية (نحو النور) فهي مشبعة بنفس الروح التي تبدو لنا خلال الرسائل فهي تمثل لنا رجلا نابغا شريف النفس ينشد الإصلاح بقوة وبعزم، وقد تألب عليه كل ما يمكن أن يعترض سبيل المصلحين من كوارث ونكبات، فمن فقر مدقع، إلى نفس أبية مسرفة في الإباء، إلى زوجة لا تفهم زوجها بل تخونه وتندفع في خيانته، إلى مجتمع جاهل فاسد يضطهده ويعنِّيه. كالمريض الذي يجمع كل ما لديه من قوة لكي يقتل الطبيب الذي جاء لعلاجه.
تلك هي الصورة الجليلة التي أراد المصري أن يبرزها لنا في شخص (محسن)، ولئن كانت الصورة التي رسمها المؤلف لا تنهض تماما إلى مستوى الموضوع الجليل الذي يعالجه. فأنها مع ذلك محاولة قيمة، وإنا لنرجو أن يعود الأستاذ لمعالجة هذا الموضوع الخطير مرة أخرى. بعد أن ترسخ قدميه في فن الكتابة المسرحي فإن الموضوع جليل حقا. ويمكن أن يعالج عدة مرار من نواح شتى.