للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- في رأيي - خاطئ كل الخطأ

وإن أوضح تعريف للشعر أن نقول أنه ترتيب تجارب الشاعر في الحياة ترتيباً خيالياً عكس كل ترتيب لآخر فكري أو فلسفي. والشعر على العموم يأخذ شكلاً من تعبيرين: فهو إما أن يأخذ شكل الأسطورة، أو شكل المجاز والصورة، أو شكل الأسطورة والمجاز معاً. فشعر (ملتون) مثلاً يأخذ شكل الأسطورة، وشعر (دن) يأخذ شكل المجاز والصورة. أما في مسرحيات (شكسبير) العظمى فالشعر في القصة نفسها - في الموضوع - قبل أن يكون في الكلام والصورة - ونحن إن قصرنا الشعر على الكلام والألفاظ وجردنا منه موضوع القصة فاخترناه موضوعاً نثرياً مما قد يقع كل ساعة وكل يوم كان الأثر الذي لابد أن تحدثه القصة أثراً ضعيفاً بعيداً عن الواقع والحقيقة؛ وليس معنى الواقعية أن تكون القصة خالية من الشعر، فوجود الشعر لا يمنع وجود هذا اللون، بل هو يقوه ويزيده نضرة ووضوحاً؛ ويكفي أن يفكر المشاهد في نفسه أنه لو حدث له مثل ما يرى في القصة أمامه، ولو كانت له من الصفات مثل ما للبطل نفسه فسيحدث الحادث بنفس الطريقة، ومثلما حدث للبطل تماماً. . .

وقد يعترض البعض بأن اللغة الشعرية تجرد الكلام من لونه الواقعي - ولكن من منا قد دهش لروميو يتحدث شعراً، أو (لهاملت) يناجي نفسه ويحدثها حديثاً؛ لو أن (شكسبير) صاغه صياغة غير الشعر لجاء باهتاً، وضعيفاً، لا يؤدي معنى، ولا يحمل صورة. وإن من يقرأ قصة شكسبير (أنطونيو وكيلوباتره) ثم يقرأ بعدها قصة شو (قيصر وكليوباترة)، والأولى شعر والثانية نثر - ليرى إلى أي حد استطاع شكسبير أن يكسو القصة بشعره لوناً واقعياُ قوياً، في حين أنه لا يتمالك نفسه من الضحك أو ذوقه من النفور عندما يسمع (كليوباتره) تودع قيصر قائلة: ,

فلأجل أن يكون الشاعر واقعياً يجب أن يكون الشعر في عناصر قصته الثلاثة: في موضوعها وأبطالها وأسلوبها؛ وإن من يتأمل (شكسبير) من كل نواحيه يتضح له أن الشاعر الكبير كان إمام الواقعيين وسيدهم، فهو يسمعك شعراً ولكنه شعر يصف الحياة أدق وصف - حياة الجسم وحياة الروح - وأنت تحس وأنت تقرأه أن (ياجو) ما كان ليستطيع أن يقول غير ما قاله، أو يفعل (هملت) غير ما فعله

<<  <  ج:
ص:  >  >>